بُني الوجود الإنساني على الانضباط، فأي إنسان ليس لديه مبادئ وقيم سواء كانت من منبعه الفطري الانساني أو من منبعه الديني الإلهي فهو يعيش بعشوائية وضياع مهما كان ومن كان، ونحن كمؤمنين التقوى هو معيار انضباطنا، والتي بها نقي أنفسنا من الوقوع في المهالك، ونحفزها للإقدام على المطامح.
وهذا معيار عام وشامل للجميع، وهكذا لكي ينجح البناء الأسري لابد أن يكون هناك انضباط ومعايير يسير وفقها أفراد الأسرة كي تكون أسرة متزنة نفسيًا، متألفة وجدانيًا، ونافعة اجتماعيًا، ومن هذه القوانين:
الأول: قانون الأسرة الروحي: [لا أحد فينا ينبغي أن يكون مذنبًا]*
هذا القانون يبني العلاقة بين الأفراد على تقبل الآخر على بشريته فلا أحد شيطان وآخر ملاك، لا أحد محض خير والآخر محض شر، فلكل فرد عيوبه ونقاط ضعفه، وتجاربه التي قد يخطئ فيها ومنها يتعلم، وهذا التقبل يجعل الجميع يسند من يتعثر أو يخطئ او يذنب حتى يقوم من عثرته، ويصحح خطيئته، ويتوب عن ذنبه، وبهذا المعنى يتحقق معنى أن لا أحد مذنب في الأسرة، إذن التقبل مفتاح روحي مهم لأنه يبني ولا يهدم، يُقَوْم ولا يتغافل، يصحح ولا يهمل.
الثاني: قانون الأسرة النفسي [لا أحد فينا ينبغي أن يكون وحيدًا]*
إن الأسرة هي السور الحامي الأول الذي ينبغي أن يُبنى حول قلب الفرد، ذلك القلب الذي مركزه حب الله تعالى، فإن وجود هذا السور يجعله يشعر دائما بأنه مسنود ومحمي ومحبوب، لوجوده قيمة وأثر.
لذا فأي خذلان أو فقد أو أذى يصيبه من خارج هذا السور لن يكسره ولن يؤذيه، والأهم لن يشعره بالوحدة، بل سرعان ما سيتخطى ذلك، لأنه محمي بسور فيه من يعوضه بشكل حقيقي بل ويملأ اي ثغر أو فراغ يصيبه من أي شخص أو شيء خارج هذا السور.
وهذا في ذات الوقت يوصلنا إلى خطورة هذا القانون، فإن كان هذا السور لا يعمل بهذا المعنى فلنا أن نتصور أي بناء نفسي يحمله هذا الفرد، إذ أنه سيكون هشًا، سريع الانهيار والاندثار والوحدة مع أي موقف مهما كان بسيطا يتعرض له من مجتمعه الخارجي.
الثالث: قانون الأسرة التنموي [لا أحد فينا ينبغي أن يكون لا شيء]*
هذا القانون نافع لبناء جيل مسؤول ونافع، ليس كسولًا ولا اعتماديًا، بل مبادرًا، فالفرد الذي أعطي الثقة من والديه بأنه يَصلُح لفعل شيء ما في البيت مهما كان صغيرًا، فإن هذا يزيد من ثقته بنفسه، وينمي فيه سمة العطاء واكتشاف الطاقات، فالنفس الإنسانية مجبولة على الإحسان، فإن أحسنت وذاقت حلاوة ذلك لن تتوقف ولن ترضى أن تكون في هذا الوجود شيئا هامشيًا أو مزويًا.
الرابع: قانون الأسرة الوقائي [لا أحد فينا ينبغي أن يكون مزاجيًا]*
المزاجية هي آفة تقتل روح الإنسان ونشاطه، والأبناء عادة في الطفولة يكونون كتلة من الحيوية والنشاط، فإنْ تعامل الأبوان بمزاجية معهما انتقلت لهما العدوى، لذا كلما كان الوالدان من أهل التربية والتهذيب للنفس فلا يتعاملان مع مسؤولياتهم البيتية أو حتى في التعاملات الأخلاقية وفقا للظروف بل وفقًا لما هو مطلوب فإن هذا سينعكس على سلوك جميع أفراد الأسرة.
الخامس: قانون الأسرة التنظيمي [لا أحد فينا ينبغي أن يكون معتديًا]*
الاعتداء فيه ايذاء الآخر وسلب حقه بغير وجه حق، وهذا من شأنه أن يورث الضغينة والحقد تجاه بعضنا البعض، وهو عادة يبدأ من منازعات صغيرة بين الأبناء فإن لم يتصرف الوالدان بحكمة وانصاف فسيحصل خللا كبيرا في البناء الأسري بين الأبناء، سواء بعلاقتهم السلوكية ببعض أو قوة ترابطهم القلبية، والأخطر هو أن يصدر ذلك من الأب أو الأم تجاه الأبناء وليس بالضرورة بين الأبناء فقط، إذ لن يكون هناك جو سلام وتواد بين أفراد الأسرة، فإن كانت السرائر غير صافية تجاه بعض بلا شك فإن القلوب سوف تتباعد شيئًا فشيئًا.
يتبع……
——————-
اضافةتعليق
التعليقات