متى تكون النفوس كبيرة؟
سؤال طرحته على نفسي، وأنا أهمُّ بفك نزاع قائم بين أختين شقيقتين، كانتا على وئام فيما سبق، إلى أن دبّ الخصام بينهما بسبب تركة إرث من أمّهما، التي توفاها الله إثر مرض عضال، تاركة لهما البيت، آثرت الأخت الكبرى وهي متزوجة من رجل غني على بيع البيت، بينما الأخت الثانية رفضت البيع لأنها فضّلت السكن فيه لضيق معيشتها وعدم قدرة زوجها على دفع الإيجار.
تطور الخلاف بين الأختين حتى وصل إلى حد القطيعة والخصام.
أكثر خصومات البشر تنبع كما أعتقد من ضيق الصدر، وشحة السماحة، وغياب النبل، هذه الصدامية لا تحدث إلا إذا تمكنت العصبية من نفوس أصحابها، واستحوذت الأنانية والبغضاء في مسالك ضيّقي الأفق، يقول ميخائيل نعيمة: (إنّك لو بحثت عن أيّ خصام يقوم في الأرض، سواء أكان بين فردين، أم عصبتين، أم دولتين، أم مجموعتين من الدول لوجدته يعود في الأساس إلى صغارة في نفوس المختصمين. فما اختصم اثنان إلّا لأن صدر الواحد ضاق بالآخر . والصدر يضيق أو يتسع على قدر ما تصغر النفس أو تكبر . ففي حين أن النفس الصغيرة تضيق بالكبيرة فتناصبها العداء، تتسع الكبيرة للصغيرة فتقابلها إمّا بالصفح وإمّا باللامبالاة).
فما هي مواصفات النفس الكبيرة؟
أكثر الصفات التي يتصف بها الانسان، هي في حقيقتها صفات مكتسبة، وليست بالضرورة مورّثة من الأبوين، ويمكن لأي شخص أن يتعلمها ويتدرب عليها، لكي تكون جزء من شخصيته وبناءه الذاتي.
١/ سعة الصدر: وهي إحدى الصفات التي بالامكان اكتسابها بالتعلم والتدريب المستمرين.
وطبيعة النفوس
تضيق بالجهل وقلة العلم، فإذا أراد أحدنا امتلاك سعة الصدر، عليه أن يكون مؤمنا أولا، لأن الإيمان يخلق توازنا في النفس البشرية، سنراها تتسع وتكون نفسا مشرقة تحب الخير والحياة وكل شيء جميل، ومن ثم اكتساب بعض الفنون، وطلب العلم والتعلم، ومن خلال هذا الاكتساب تتسع آفاقنا وصدورنا للمزيد.
١/ اتقان العمل: النفوس الصغيرة تتبرم من العمل حتى لو كان العمل صغيرا، أما النفوس الكبيرة، فإنها تُتقن المهام والمسؤوليات، بل وتستميت لكي ترى ثمار أتعابها نصب عينيها، فالنفوس الكبيرة تنطوي على هموم كبيرة ومسؤوليات عظيمة، بل وتترفع عن صغار الأمور وسفاسفها.
٣/الاحتكاك بالقدوات الايجابية: النجاح بطبيعته يمتلك خاصية العدوى، فإذا أراد الانسان النجاح في مساعيه، عليه أن يصادق الأشخاص الايجابيين، ويبتعد عمن ينشر السلبية والبغضاء والكراهية.
فإذا لم يصادفه شخصا ناجحاً، عليه أن يطالع باستمرار حياة الروّاد والقادة، الذين يزخر بهم تأريخنا، هؤلاء هم من صنعوا لنا تأريخا مشرّفا نفخر بانجازاتهم، بل بوجودهم كعناصر فاعلة ومؤثرة حتى وإن كانوا في بطون الكتب.
وكلما ازداد ارتباطنا بالقدوات الايجابية والمؤثرة، فأنّ نفوسنا تتسع وتكبر تبعا لذلك.
وعودة إلى ذكر الاختين الشقيقتين المتخاصمتين، هل سيتسع صدر الأخت الكبرى لاحتواء أختها الصغرى؟ هل بامكانها تجاوز الخلاف بابداء المرونة وبعض التنازلات، كي لا تتسع الفجوة بينهما فتعودان إلى حالة التراضي والصفاء؟ هل ستكملان مسيرة الأخوّة وتتخلصان من عبء الكراهية والجفاء؟
نأمل ذلك وبقوة...
وعلينا أن لا ننسى أن كل فن نتعلمه، وكل عمل نتقنه، وكل تسامح نبديه، وكل احتواء نمارسه، يساعد في اتساع نفوسنا، وفي اتساع رقيّها ونبلها، مما يجعلها ذات اهتمامات كبيرة.. بشرط أن نتحلى بعمق الإيمان بالله، وثقتنا بعطائه اللامحدود.
اضافةتعليق
التعليقات