تتغير الأزمان ويبقى المفهوم واحدا، تتسع دائرة المبادئ وتضيق، وتبقى العقيدة راسخة في نفوس الناس جيلا بعد جيل، تنتقل الأفكار بين الناس من خلال الكتب والوصايا، ويبقى العلم هو الوصية الأهم في معاجم العالم كلها.
فبالعلم ترتقي الأمم، وتزدهر البلدان، وبالمعرفة يكبر الإنسان، لهذا نجد إلحاح الدين على أهمية العلم والتعلم فقد نجد الوصايا تؤكد على التعليم من المهد إلى اللحد، فمهما كان عمر الانسان أو ظرفه يجب أن يطرق باب العلم دائما وأبدا، فكل الأوقات هي مناسبة لكسب العلم والمعرفة.
ولعل التسويف أخذ مأخذا كبيرا في حياتنا وأصبحنا نؤجل كل شيء إلى الغد أو إلى يوم غير مدرج في التاريخ ولن يأتي، فأصبح المجتمع يتربى على التسويف والتأجيل والحصول على مادة جاهزة دون الحاجة إلى التعب أو السعي إلى التعلم إذ إن أكبر مسائل الرياضيات أصبحت تحل بمجرد كبسة زر على موقع معين في شبكة الانترنت.
وغيرها من المعلومات الجاهزة التي أصبحنا نبحث عنها لمجرد الحاجة الاكاديمية لها وليست بغاية التعلم والاستفادة وتفنى حاجتنا للمعلومة بمجرد الضغط على زري (copy-paste).
ولكن الأمر لا ينتهي فقط عند المسألة الرياضية المعقدة أو التعريف الفيزيائي للجاذبية الأرضية، إنما الأمر يطول ويعرض حول مسائل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية.
فالإنسان يجب أن يسعى من أجل العلم منذ نعومة اظفاره ويشتغل على نفسه ويدرب شخصيته وعقليته ليكون قائدا متميزا وناجحا في المستقبل.
لهذا السبب نجد التركيز والتكرار على أهمية العلم ووردت في القرآن الكريم والروايات الشريفة كما أن تأكيد المعصومين على هذا الجانب لم يكن اعتباطيا، لأنهم يعرفون كيف أن للعلم قوة جبارة في انقاذ امة كاملة من الضياع ولعل الامام الحسن (عليه السلام) كان له دورا كبيرا في تبيان ضرورة العلم إذ ورد في كلامه ووصيته لبنيه وبني أخيه: "تَعلَّموا فإنَّكم صغار قوم اليوم، وتَكونوا كِبارهم غداً"[1].
فالقائد يجب أن يكون ملما في معارف الحياة وطالبا للعلم ومحبا للتعلم في أي وقت ومواكبا للتطورات الحاصلة في العالم وفي كل المجالات دون سواء.
فلو أن كل شاب ناشئ أو حتى طفل انزرع في داخله حب التعلم وانغرست في شخصيته الروح القيادية التي تؤهله في المستقبل أن يكون انسانا ناجحا لكانت الأمم اليوم بألف خير!.
فالقيادات الحالية التي تدير الأمم وتشرف على الدول النامية هي بالأمس كانت أطفالا وشبابا جهلاء لم يسعوا سعيا حقيقيا في طلب المعرفة ولم يطبقوا ما تعلموه بصورته الصحيحة في أرض الواقع فمن انتهج بالدين وتعمق في علم الاجتماع كيف من الممكن أن يسرق شعبه وينهب الممتلكات العامة، ومن غاص في دهاليز علم الاقتصاد كيف من الممكن أن يدخل في مناقصات أو مشاريع فاشلة تضر الدولة وترخي حبال الأمة الاقتصادية؟!
بالتأكيد هذه الفئات لم تتبع الوصايا ولم تلتزم بالتعاليم الإلهية التي أكدت على طلب العلم والمعرفة والانتهاج بها، فالعلم الذي لا ينفع الانسان ولا يقدمه إلى الأمام هو علم (الكوبي بيست).
وهذا ما يتنافى مع وصية الامام الحسن (عليه السلام)، فبالتأكيد أولاده لا يحتاجون اإلى مثل هكذا وصايا فهم أبناء عليّ وأبناء الحسن، إنما هذه الوصايا هي وصايا توعوية للناس وللأجيال القادمة، فبعد دهر من السنين لا زلنا نتناقل كلام أهل البيت (عليهم السلام) لأن الالتزام بوصاياهم هو درب الرشاد، والعمل بكلامهم والسير على نهجهم هو منفعة للبشرية جمعاء تضمن للأمم حياة فارهة وكريمة.
وهذا الأمر يبدأ من الانسان نفسه:
- فالعائلة يجب أن تزرع في أطفالها حب التعلم والبحث والاستفادة ليستمر معهم حب الاستكشاف والتعلم إلى الكبر.
- والشاب بدوره يجب أن يشعر بالمسؤولية تجاه نفسه ودينه وأمته ويحاول دائما أن يرفع من مستواه العلمي والثقافي ليكون خير شاب يقتدى به وينتفع منه.
- وعلى المؤسسات والمراكز القيادية أن تختار الأشخاص المناسبين والكفوئين الذين جاهدوا من أجل الوصول إلى القيادة ويعرفون كيف يديرون الأمور مع ما يتوافق مع العلم والدين، لأن اختيار أشخاص ليسوا كفؤا بالمنصب أو الواجهة القيادية الذي هم فيه بالتأكيد سيؤدي بالأمة والشعب إلى الهلاك.
اضافةتعليق
التعليقات