فتحت عيني على هذه الحياة، وجدت ما يفصل بيني وبينه سبع سنين... عيناه النرجسية لوحدها قصة الف ليلة وليلة، أنفه المعقوف، وقوامه الفارع.. كل شيء فيه ينم عن الرجولة والهيمنة!.
ذكاءه الخارق، واسلوبه الحواري المقنع، وضحكته الساحرة... جعلت منه بطلاً لروايتي الباردة.. عندما كنت في السابعة، قررت ان اصبح مثله، بقوته وشجاعته، وذكاءه.. اصبحت اقلد طريقة كلامه، وبتّ اجازف بأمور اكبر مني، ونفيت الخوف من واقعي.. وحتى ملابسه لم تسلم مني، اصبحت ارتدي ملابسه، اردت ان اكون مثل بطلي.
البطل الذي غيّر لدي مفهوم الرجولة.. البطل الذي جعلني اكتفِ به من بين جميع الرجال، الرجل الذي اصبحت اسند عليه أحلامي الكهلى..
فما كان بيني وبينه أكثر من صلة دم... أحببت خوفه علي من كل شيء، أظنه رشف الرجولة مع اول رضعة له، اذكر جيداً عندما ضرب زميله في المدرسة ضرباً مبرحاً وكسر انفه فقط لأنه شتم والدي، بينما كان أنف الولد ينزف، كان هو يقف راضياً عن فعلته بكل فخر، ولله الحمد لم يصبه شيء سوى بعض نثار التراب العالقة بزيه المدرسي..
ولا استطيع ان انسى كيف كان يمنعني من العودة الى المنزل بمفردي، على الرغم من قرب المسافة بين المدرسة والبيت، كان يتأخر علي وكنت انتظره كثيراً، وكان تعب انتظاره في صيف بلادي كلذة لقاء المغترب بوطنه.. آهٍ، كم كنت اتباهى به امام صديقاتي، وعندما يسألوني لماذا تعذبين نفسك في الإنتظار، كنت ارفع حاجبي بكل فخر واقول لهن: يخاف علي جداً، ولا يرضى أن اعود الى المنزل وحدي.
كم كانت رقيقة ايامي معه... عندما كنت في الثامنة من عمري كنت اجلس في مقدمة دراجته الهوائية الحمراء لكي يوصلني الى مدرستي الإبتدائية، كنت اشعر بدفئ أنفاسه في الشتاء، واغوص في روعة حنانه..
كان حنوناً جداً... لا زلت اذكر طفولتي معه عندما كان يتنازل عن نصف مصروفه اليومي كي يشتري لي تلك البيضة الكبيرة المغلفة بالشوكولا، والتي تحتوي بداخلها مفاجأة جميلة، فقط لأني نظرت اليها وتمنيتها بداخلي ولأنه يعلم بأن المصروف الذي اعطته لي أمي لن يكفي لشرائها..
وبعدما كبرنا قليلاً استبدل دراجته الهوائية، بدراجة نارية، وحينها كنت اجلس خلفه واضمه بشده، بحجة اني اخاف القيادة السريعة، ولكن فعلتي تلك، لم تكن سوى لأشباع اشتياقي واحتياجي له.. ولا ابالغ اذا قلت بأني كنت لا اخاف من اي شيء معه، فوجوده كان يشعرني بالأمان، كان هو البطل الذي سينقذني دائما من كل شيء، ولايصيبني اي مكروه بوجوده.
غيرته الفتاكة، ونظراته القاتلة، كل ما فيه يبث القوة والمروءة، عندما اسير معه في الشارع ارفع نفسي بشموخ، فلا احد يتجرأ ان ينظر الي، او يضع عينه بعينه.. لأنه وبلا شك لن يسلم من غضب بطلي.
لعينيه لغة.. عندما يحزن بطلي، تبدأ عيناه بترتيل الهموم واحدة تلو الأخرى، وفي هذه الحالة كنت ادنو منه بهدوء واسأله مابك؟ على الرغم من اني متأكدة بأنه لن يبوح لي بشيء لأن كبرياءه من العيار الثقيل.. ولن يرضى ان يستجدي عطف أحد، حتى اقرب الناس له.
كان يكتفي حينها بالصمت، وببسمة عابرة، ولكني كنت متأكدة بأن خلف هذه الضحكة صرخة وجع، لو أطلقها لمزقت السماء السبع ولكن... كان يبتلع الهم ويسكت.
رجل بعزة نفسه.. يصمت في حضوره الناس، ويرتعب من مجالسته أشباه الرجال.. بين فينة وأخرى يطمئن علي، ويسألني اذا كان احداً تسبب في مضايقتي، او تجرأ على جرحي بكلمة او بفعل، ليكسر أم انفه!، كنت اضحك بسعادة واقول: ومن يتجرأ على ذلك!، واطلق عنان ضحكتي لتصل الى السماء..
تعلمت من بطلي الكرامة، وعزة النفس، علمني كيف أفرض وجودي في هذه الحياة على رغم الظروف والمآسي، علمني ان اكون قوية.. ولا يكسرني أحد، علمني بأن الرجولة أفعال، فاستمديت منه قوة الشخصية والحضور... اذكر جملته تلك التي يرددها علي: "اكسر اليد التي تمد عليك!".
أشعر بأني اتكئ على رجلُ لا يزحزحه اي شيء.. رجل يقلب الدنيا رأساً على عقب اذا رأى دمعتي تخط على وجنتي..
انا اتحدث عن معدن العزة... عن الشخص الذي ورث الرجولة من جيل العظماء!، انا اتحدث عن أخي، الأخ الذي تربيت على يديه، وهزني على رجله عندما كان عمري سويعات، الأخ الذي واجهت معه أصعب ايام حياتي.. الأخ الذي انتشلني من بوادر الحزن واعادني الى الحياة وجعلني اقف من جديد وأحارب بكل ما اوتيت من قوة.
فمن يوجد في حياتها رجلاً كهذا.. كيف ستستطيع مجاراة البقية؟!، ومن ذا الذي سيستحق دور البطولة بعده؟، حتى وان ملابسه ماعادت في مقاسي سأبقى ارتدي ذكرياته في أحرفي.. وسأركله بضربة في رجله واهرب.. وسيلاحقني ويمسك بي ويلوي ذراعي ويجبرني على قول "العفو" حتى يتركني، وبعدما يتركني سأركله مرة اخرى بغفلة واهرب من جديد.. وانا متأكدة بأنه حتى وان مسكني من المستحيل ان يصيبني بأي اذى.. لأنه اخي ولأنه رجل!، والرجال من المستحيل ان يصيبوا احبتهم بأذى.
اضافةتعليق
التعليقات