يقول تعالى: (إنّما يفترى الكذب الذين لايؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون).
لماذا يكذب بعض الناس؟
قد تقول: إنّ ذلك يحدث إمّا لجلب منفعة، أو دفع مضرّة.
ولكن هل الكذب يستطيع أن يفعل ذلك؟ يقول الحديث الشريف: إياك والكذب، فإنّه يسوّد الوجه. يذكر المؤرخون أنّ رجلاً أخبر المنصور الدوانيقي بأنّ هنالك أموالاً كثيرة لبني أميّة مودعة لدى أحد الأشخاص، فأمر حاجبه بأن يأتي به، فلمّا مثل لديه قال: لقد أخبروني بأنّ أموالاً كثيرة لبني امية مودعة لديك، وعليك ان تأتي بها جميعاً إلي.
قال الرجل: وهل انت وارث بني أميّة؟
قال المنصور: لا.
قال الرجل: وهل أنهم أوصوا لك بأرثهم.
قال المنصور: لا.
قال الرجل: فلماذا تطالبني بأموال بني أميّة؟
قال المنصور: إنّ بني أميّة ظلموا المسلمين، فأخذوا الأموال عنهم عنوة، وانا اليوم خليفة المسلمين، وأمين على أموالهم، ولابدّ ان أردّها إلى بيت المال.
قال الرجل: لقد كانت لدى بني أميّة أموال من وجوه شتّى، وبعضها كانت من أموالهم الخاصّة، وليس من اموال الناس، فهل يمكن إقامة الدليل على أنّ مالديّ هو من أموال العامّة لا من أموالهم الخاصّة؟
ولأنّ المنصور لم يملك شهوداً على أنّ الأموال المزعومة هي من التي صادرها بنو أميّة من الناس لا من أموالهم الخاصّة، فقد سكت عن الرجل.
فقال له حاجب المنصور: هل لك من حاجة؟
قال الرجل: نعم، لي حاجتان: الأولى _أن تامروا أحداً يوصل رسالة منّي إلى أهلي، فقد تركتهم في خوف شديد..
الثانية _أن تاتوا بمن وشى عليّ، فو الله ليس في يدي من اموال بني أميّة أي شيء، لا من خاصّة أموالهم، ولامن عامّتها.
وأضاف: لم يكن ماقلته لكم إلّا لأنني رأيت أن الإنكار قد لا ينفع، مادمتم مؤمنين أن لديّ أموالاً من بني أميّة.
فأمر المنصور بإحضار من أخبره بذلك، ولمّا رآه الرجل قال: إنّ هذا غلام لي، سرق منّي ثلاثة آلاف دينار وهرب.
فأمره المنصور أن يقول الحقيقة، فشعر الغلام بالخجل والخوف، فاعترف بكذبه، وقالك إنّ صاحبي صادق فيما يقول، فقد كذبتُ عليه لأتخلص منه.
ورقّ له المنصور، فطلب من الرجل أن يعفو عنه، فقال الرجل: قد فعلت، وأعطاه ثلاثة آلاف دينار أخرى.
يقول الحديث الشريف: إجتنبوا الكذب، وإن رأيتم فيه النجاة فإنّ فيه الهلكة.
ويقول آخر: أقل النّاس مروءة من كان كاذباً.
وفي ثالث: إنّ العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه.
(من كتاب: خمسون فكرة، لمؤلفه: السيد هادي المدرسي)
اضافةتعليق
التعليقات