نور العشق الحسيني يشع ويتجدد كل عام ليؤُذن ببدأ مراسيم زيارة الاربعين، انه شوق الأمامة الألهي في قلب الزائر كي يلتقي المحبوب بحبيبه، ويثبت للأمام خلوده بعد تلك المعركة غير المنصفة من حيث العدة والعدد معركة أنتصار الحق على الباطل، حيث ينتظر الموالون بلهفة وشوق وحرارة في قلوبهم.. لتسجيل الحضور الولائي للأمام هي تلك الحرارة التي اخبر عنها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال:
(لولدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين).. هي سرّ لا يعرفه إلاّ الله والراسخون في الحب.. قدماه طريق الحسين (ع.
الحديث عن الاربعين، حديث عن لوحة امتزجت فيها ألوان العشق الألهي بشتى صوره، فترى السليم يلاصق السقيم، والراكب يسابق الماشي، والشاب يساير الشيب، والمرأة مع الرجل كل يعرف طريقه، لم يكونوا اشخاص يهيمون الطريق بحثا عن معشوقها، بل هم ثلة من الناس نثرت جمال ما تمتلك من قدرة وطاقة على طريق الطف، فأعجزت العالم عن وصف ما نثرت فهنيئا لتلك المشاعر التي تنتاب قلبك أيها الزائر وانت تجد الخطى نحو قبر الامام الحسين (عليه السلام)..
لا شك أن الخدمة توجب الذلة والشعور بالنقص، وجرح الكبرياء إذا كانت من أجل الدنيا، أو كانت لشهوة فانية ورغبة تافهة، أو التزلف لمخلوق نأمل منه نفعا دنيويا وحطاماً زائلا، أما إذا كانت الخدمة عبادة، والنية فيها هي القرب إلى الله تعالى فلا شك في كونها فخراً وعزة ورفعة في الدنيا وجنة ورضواناً في الآخرة، وهذا ما أكده الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "أيما مسلم خدم قوماً من المسلمين إلاّ أعطاه الله مثل عددهم خداماً في الجنة".
تأمل أخي الخادم ما أروع هذا الحديث! هو يقول من خدم قوماً من المسلمين على وجه العموم دون أيّة صفة لهؤلاء المسلمين يعطيه الله تعالى مثل عددهم خداماً في الجنة.
فكيف إذا كان هؤلاء القوم المسلمون هم زوار الإمام الحسين عليه السلام؟!
وكيف إذا كان عددهم بالملايين؟!
من كرامات الأمام الحسين عليه السلام... لخدامه
واجمل صورة من صور العشق الحسيني تجسده أم جاسم خادمة اهل البيت في طريق زوار الأمام الحسين على طريق بابل -كربلاء حيث نالت هذه المرأة كرامات عديدة من الأمام الحسين كونها من المتعففين وكانت تسكن في صيوان على طريق الزوار ولم تتملك في مسكنها سوى التمن والعدس في زياة الأربعين حيث كانت تخجل من تقديمه للزائرين واخذت تبكي وتتوسل بفاطمة الزهراء.. ان ترزقها بركة خدمة واطعام زوار الأمام، لأنها كانت امرأة فقيرة ولاتستطيع شراء وتجهيز المواد الغذائية وتجهيزها للزوار.
حيث تقول أم جاسم: الحمد لله واشكرهُ على نعمهِ، وكل صباح ومساء أشكرهُ وأقبل هذه البقعة الشريفة من أٌرض زوار الأمام الحسين.. وأقول ربي ارحمنا برحمتك الواسعة وأطلب منك العافية والستر كي أخدم زوار سيد شباب أهل الجنة، ولا اريد منك جاه ولا مال، أخاف ان تُلهيني تلك الأموال في الدنيا وتبعدني عن كسب الأجر ورضاك عني.
وكل يوم عندما استيفظ في الصباح احمد الله وأدعو أن يعطيني على قدر ماأحتاجه لخدام الحسين (ع) كي كلما اشعر بالعوز أُناجي الله وادعوه أن يعطيني.
ثم أشارت بيدها وهي تتكلم الى بعض الزوار وتحدثهم عن الكرامات التي اعطاها اياها الأمام الحسين (ع).
وهي تقول: انظر بُني الى تلك الحسينية والتي هي داري اليوم لقد كانت صيوان وكان كلما هبت ريحً علينا تتطاير الأفرشة، وحتى نار الطبخ تنطفئ ونعاني في أيواء الزائرين.. وأخذت اتوسل واتقرب بفاطمة الزهراء عليها السلام الى الله ان يساعدني وابني مكان خاص لزوار الأمام ولكن في قرارة نفسي أراها معجزة لاني انا لا أملك المال.. ولكن ببركة محمد وال محمد وببركة الامام الحسين زارني بعض الموالين من اهل البصرة في زيارة الأربعين وقالوا لي نحن رأيناك في المنام انت ام جاسم صح!.
فأجبتهم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعلى ابو عبد الله الحسين نعم ياابنائي نعم انا ام جاسم.. خادمة الأمام الحسين ماهو هذا الحلم عسى ان يكون خيراً!.
فقدم لي الشاب مبلغ كبير من المال وقال لي هذا المبلغ لتشييد حسينية بأسم ام جاسم ونحن كل عام نأتي في زيارة الأربعين لنخدم معكم زوار الاربعين أن شاء الله.
وفعلا بُنيت الحسينية وبنيت حسينية أخرى وفي كل عام سفرة ابو عبدالله على طول مراسيم الزيارة واخذت التبرعات تأتي كل عام اكثر من سابقتها بسبب بركة اهل البيت.
هذا هو الحب الحقيقي، فعندما تزور ام جاسم تجد العشق الكامن في قلبها.. انها مدرسة للعشق الحسيني.
هذا حال الخدام اما الموالين زوار الأمام فلهم من البركات والآثار لاتعد ولاتحصى ولا يعرف فضائلها الا القليل.
أما لفضائل الزوار ومالهم من اجر وثواب في زيارة الاربعين فهي لاتعد ولاتحصى اذ قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «وكّل الله بقبر الحسين عليه السلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كل يوم شعثاً غبراً من يوم قُتل إلى ما شاء الله ــ يعني بذلك قيام القائم ــ ويدعون لمن زاره ويقولون: يا ربّ هؤلاء زوار الحسين افعل بهم وافعل بهم».
وقال عليه السلام: «إن الملائكة الموكلين، يبكونه ويستغفرون لزواره ويدعون الله لهم».
وورد عن أبي إبراهيم أنه قال: «من خرج من بيته يريد زيارة قبر أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام وكّل الله به ملكاً فوضع اصبعه في قفاه فلم يزل يكتب ما يخرج من فيه حتى يرد الحير، فإذا خرج من باب الحير وضع كفه وسط ظهره ثم قال له: أمّا ما مضى فقد غفر الله لك فاستأنف العمل».
عند مسيرك مع الملايين من الموالين الى الحسين (ع).. تجذبك صور الباكين والمعزين وأصحاب المواكب الذين بذلوا كل غالي ونفيس لاستيعاب هذه الاعداد الغير مسبوقة، يجذبك صور الكبار بالسن وإصرارهم لتجديد العهد رغم مرضهم وعدم استطاعتهم وجاؤوا محمولين ومتكئين على الأبناء الباريين، يجذبك الكرم والغيرة العراقية المستمدة من غيرة ابي الفضل، وماذا يسطر الزائر لا كلمات لا تصف جذب الحسين (ع)، يجذبك تراصف الجنسيات مع بعضها البعض وتمازجها معاً لتذوب كل الفوارق لتبقى الهوية حسينية فقط.
مهما كان من سلبيات ان وجدت لكن تبقى هذه الزيارة الأسمى والأكبر والمقبولة ان شاء الله لأن فيها تحدي لأعداء الحسين المتربصين لشيعة اهل البيت.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((وكّل الله بقبر الحسين (عليه السلام) أربعة آلاف ملك شُعثٌ غُبر يبكونه إلى يوم القيامة، فمَن زاره عارفاً بِحقه شيّعوه حتى يُبلغوه مَأمَنه، وإن مَرِض عادُوه غُـدوةً وعَشيّة، وإنْ مات شهدوا جنازته واستغفروا له إلى يوم القيامة)).
مهما قلناعن الحسين (ع)، ومهما كتبنا عنه، فلن نتجاوز فيه ما قاله رسول الله (ص): ((مكتوب على ساق العرش: إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)).
فمبارك لمن تمسكَ بذلكَ النور.. وتدارك نفسهُ ولحق بركب السفينة مع أهل البيت.
اضافةتعليق
التعليقات