نُشرت الرايات في العلياء، بأيدي عشاق ابن الزهراء، سبقتهم القلوب الى كربلاء، في المسيرة التي تخطت كل القوانين البشرية معلنتاً انها تخضع لقانون إلهي فريد، انها مسيرة تجديد الولاء.. مسيرة الاربعين.
كثيرة هي صور تلك المسيرة، عن سخاء المواكب نتحدث أو جود اصحابها، عن الولاء في قلوب كبار السن ام فطرة اطفالها، عن تراتيل الحب التي تنثرها ارجل الزوار في الطريق او هِمتها، وقف التاريخ وسيقف مذهولاً امام هذه المسيرة الحسينية.
من اكثر الصور التي استوقفتني هي البراءة والفطرة السليمة عند الاطفال..
فمنظر الطفل يتوسل الزوار بأن يأخذوا منه الحلوى يعجز العقل عن فهمه فطبيعة الطفل دائما الاخذ وحب الاستملاك، كيف لو كانت الحلوى! هي البذرة الحسينية التي زُرعت داخله لتُثمر عطاء وسخاء، تواضع وإباء، إلتزام وولاء.
أو لذلك الطفل الذي بطبيعته وشخصيته يكره المشي حافيا على الأرض، تراه بكل حب وحماس يمشي حافي القدمين طوال الطريق، متجاهلاً خشونة الارض وحرارتها، هي الفطرة السليمة والتربية الحسينية التي علمته مواساة اطفال الحسين، هو الامتثال لكلام الامام الصادق في آداب زيارة الحسين حيث روي انهُ قَالَ: "إِذَا أَتَيْتَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السَّلام) فَاغْتَسِلْ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، ثُمَّ الْبَسْ ثِيَابَكَ الطَّاهِرَةَ، ثُمَّ امْشِ حَافِياً، فَإِنَّكَ فِي حَرَمٍ مِنْ حَرَمِ اللَّهِ وَ حَرَمِ رَسُولِه" *.
او ذلك الطفل ذو السنوات الاربع المتعلق بوالدته بشكل كبير تراه يحمل الراية وينطلق بحب بين جموع الزائرين واذا به يبتعد عن والدته كثيراً، الخوف والقلق يملئ قلب والدته وهي تبحث عنه، بعد مسافة وجدته واقف وهو مُبتسم، تعجبت من ردة فعله فهو يخاف الابتعاد عنها كثيراً، واذا به يقول هذا الطريق يؤدي الى كربلاء، كل هؤلاء الناس متجهين لكربلاء فلماذا اخاف؟!
هو الحب الحسيني الذي ملأ وجوده وطمأن قلبه، هو جذب الولاء بين قلبه وقبة مولاه.
"قال لي: أرني معجزة؟
قلتُ: هاك الحسين عليه السلام.
قال: معجزة في الحوادث؟
قلتُ: هاك زيارة الاربعين.
قتلوا السبط، وهو وحيد غريب، بلا ناصرٍ أو معين، وها هو بعد مئات السنين، موئل للملايين..
يأتون من كل فج عميق، بالقطارات.. بالطائرات.. ومشياً.. وركضاً.. وزحفاً.. وحبواً.. رجالاً، نساءاً.. كباراً، صغاراً..
كأنهم السيل حول الضريح يطوفون، ينادون: لبيك، ياسيدي ياحسين، يابن خير النبيين والمرسلين، اذا لم نكن يوم كنت تنادي:
ألا من مغيث؟ ألا من معين؟
فخذها قلوباً متيمة بهواك، تجيئك من كل حدب وصوب، للثم تراب ثراك، لقد وعد الله ان ينصر المؤمنين، وكل مواعيده منجزة، ألست ترى في زيارته معجزة ؟"**.
اضافةتعليق
التعليقات