السلام ثقافة وضرورة حضارية، لأن الثقافة فكر نظري وتطبيق عملي، فهذا لا ينفصل عن هذا، وهذا لا يبتعد عن ذاك، العلم والعمل، الفكر والتطبيق، النظري والعملي. والثقافة خليط من كل ذلك، ولكل مجتمع أو بلد ثقافته المميزة له عن الآخر، وقد تتوحد الثقافات، وربما تختلف العادات، وهذا أمر طبيعي في هذه الحياة.
فالسلام: هو حالة من الهدوء والاطمئنان الذي يشعر بها الإنسان في نفسه، وكذلك في أسرته ومجتمعه وأمته والعالم أجمع.. فلا تعقيدات ولا قلق نفسي ولا عنف أسري ولا اضطرابات في المجتمع، ولا منازعات في اختلافات الأمة - فالاختلاف حق مشروع وسنة كونية - ولا حروب وعمليات عسكرية في العالم المسكون.
الحسين ورسالة السلام والإصلاح
نهض الإمام الحسين عليه السلام وتحرك لإصلاح منظومة القيم الإسلامية، وإنقاذ الإسلام من الجاهلية، وبالتالي إعادة المجتمع المسلم الى أخلاقيات الإسلام وأحكام القرآن، وسيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وسنته الشريفة، أرادوا أن يطمسوا معالم الدين الحنيف، ويسلموه للأجيال اللاحقة مشوها ومنفرا.
أرادوا أن يحكموا بالباطل، وهم لا يعترفون بالحق تعالى.
وكان الإمام الحسين عليه السلام سبط رسول الله، وسيد شباب أهل الجنة، فأنعم به وأكرم من قائد حق، وناطق بالصدق، تتجسد فيه أخلاقيات الإسلام والقرآن ورسول الله، وشجاعة والده علي بن أبي طالب، ورقة ولطافة ومحبة أمه فاطمة الزهراء عليها السلام.
فأراد الإمام عليه السلام أن يؤكد الإسلام ويرسخه في الأمة كوحي منزل من السماء.
وأراد أن يبين معالم الدين ويوضح أحكامه، ليسلمه إلى الأجيال صحيحا ناصعا جميلا.
وأراد أن يستنير الجميع بنور الله الأعظم بالقول والعمل حتى الشهادة.
وأراد أن يؤكد مكانة الرسول الأعظم - صلى الله عليه وآله وسلم - ويمكن دينه، حتى ولو كلفه ذلك نفسه القدسية، وجميع من معه من الأهل والأصحاب الكرام.
نعم.. أراد أن يزهق الباطل، ويثبت الحق لوجه الحق تعالى، ليبقى شعارا تتناقله الأجيال المؤمنة، ويذكره الرجال الطامحون إلى الاصلاح بالسلم والعلم.
والمهاتما غاندي.. هذا الرجل الذي دحر الاستعمار البريطاني من بلاده، بعد استعمار واحتلال دام قرونا عدة، ونهب طال كل خيرات الهند.. بماذا حرر بلاده؟
حررها بشعاراته السلمية، وحركته السلمية الإصلاحية، التي شهد لها التاريخ الحديث بالحكمة والحنكة والشجاعة. وغاندي هذا تعلم من الإمام الحسين عليه السلام، وتعلم من الإسلام الأخلاق الفاضلة الكريمة، من حلم وصبر وشجاعة ووفاء ومحبة وإخاء وثبات على الحق الذي يعتقد به، فحرر بلاده وصار مثالا يحتذى به، وماهو إلا تلميذ في مدرسة المولى أبي عبد الله الحسين سيد الشهداء.
يبدأ السلام من إحساس نزيه يتحول إلى فكرة مقدسة بمرور الزمن؛ والإحساس بالكرامة والسلام يتطلب كرامة وسلامة الإحساس، وكما يحوم الضباب حول القمم العالية، فإن كل فكرة تدعو للسلام لابد وأن تحوم حولها الشبهات، تماما مثل السلام الحسيني.
كان أبو عبد الله الحسين عليه السلام يبحث عن السلام بقوة الرفق، وصلابة الإرادة الإيمانية، ومهما كانت إرادتك صلبة فلابد لك من أن تعتمد اللين والسلام في تنفيذها.
فالسلام ضرورة حضارية حقا، طرحه الإسلام منذ أربعة عشر قرنا من الزمن، وهو ضرورة لكل مناحي الحياة البشرية اعتبارا من الفرد مرورا بالمجتمع وانتهاء بالعالم أجمع.
والسلام: هو الذي يبني ويعلي ويعلم ويطور المجتمع.
استراتيجية السلام
الإسلام دين الحكمة والقرآن الحكيم هو دستوره، وهو منزل من حكيم عليم. ورسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو أحكم العلماء على مدى العصور والدهور، باعتراف العدو والصديق والقاصي والداني، وكل من اطلع على حياته الشريفة وأخلاقه العظيمة لابد أن يأخذه العجب العجاب من حكمته وخلقه العظيم وحنكته السياسية الفريدة.
فهل من الحكمة أن نقاتل كل من يخالفنا الرأي؟
وهل من الحكمة أن نبيد أهل الأديان السابقة لأنها قد نسخت بالإسلام؟!
وهل من الأخلاق أن نقتل من نشاء؟ كيف نشاء؟ ومتى نشاء؟ دون أية ضوابط شرعية أو أية قيود عقلية أو شروط منطقية لذلك؟!
لا هذا ولا كل ما يمت إليه بصلة من الإسلام في شيء، بل الإسلام أمر بعكسه تماما، والإسلام هو دين المحبة والأخوة والسلام، وأخلاقياته معروفة للجميع ومشهود لها بالطهارة.
إنما الأصل الذي يدعو إليه الإسلام هو السلام، وليست الحروب والمقاطعة..
فالإسلام واحة غناء من الحب والسلام والتعاون، وهو يرفض رفضا قاطعا جميع أشكال وأنواع العنف النفسي، والجسدي، والاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، والثقافي، حتى أنه يرفض العنف ولو بالكلمة شعرا أو نثرا... فالأخلاقيات الإسلامية ترفض جميع هذه الأنواع من السلوكيات المنحرفة.
اضافةتعليق
التعليقات