التغيير المستمر الذي نلاحظه في المراثي الحسينية والطرح المتغاير في كل سنة كان دافِعًا لي لطرح سؤالين على المختصين من الكُتاب والشُعراء وكان لكلٍ منهم رأي مُختلف عن الآخر..
والسؤال كان كالتالي:
المراثي الحسينية مابين الماضي والحاضر وتأثيرها على المُتلقي؟
كيف نوضف المفردات في خدمة القضية الحسينية؟
وماهو الأسلوب الأصح للطرح لقلب المتلقي؟
وكان للشاعر والاعلامي مالك الشرع رأيه:
_المراثي الحسينية في الماضي رغم بساطتها وعفويتها إلا أنها كانت صادقة تماماً وكانت تصل بطرق قديمة كالكاسيت أو أشرطة الفيديو بشكل قليل جداً لكن حفظتها أجيال متعاقبة، أما في الوقت الحاضر تكون نسبة المصداقية قليلة جداً والترويج لها بنسبة أكبر وقد تتأثر بها الطبقة التي لا تمتلك الوعي .
_توظيف المفردة يكون عن دراية ومطالعة ورسم صورة للمعنى الحقيقي للثورة الحسينية ولا تكون إلا للروايات المسندة حتى لا نسيئ للقضية الحسينية أي لا تكتب بعاطفة الشاعر فقط، والأسلوب الأصح للكتابة هو معرفة ماتتصيدهُ الجهات المعادية وجعل ثغرات تعطي الشرعية للإنتقاد .
وكان للشاعر إحسان الزيادي رأياً وقد أجاب:
_ لكل عصر فكر خاص، نحن الآن نعيش عصر الاختصار ووصول المعنى بأقل مايمكن من وقت وكتابة أما وقد كانت صيغة قراءة محاضرة أو قراءة مجلس حسيني تكون أشبه بمناغاة المشاعر وليس بصرخات تخترق الآذان فتصمها.
فإن تغذية العقل وتنويره للمتلقي والسعي لنموه وتغذية روحه ينبغي أن تكون بالمناجاة لا بالهتافات وبدقة المفردة ومراعاة المعنى الحقيقي لها وتوظيف المفردة ومراعاة المكان المخصص داخل النص الحسيني يحتاج إلى وعي وادراك تام للقضية الحسينية لكوننا نتعامل مع شخصيات مختلفة..
أما الطريقة؛ فلكل كاتب وروائي وشاعر حرفة خاصة في ايصال طرحة إلى قلب المُتلقي ولابد أن يجعل في طرحه أشياء تجعل المتلقي هو من يرتقي لها كي يسمعها بمعنى أن لا ينزل لذوق المتلقي لأن لكل متلقي فكر خاص وذوق مختلف وهنالك أساليب عديدة وأهم تلك الأساليب هي مراعاة حرمة الكتابة في القضية الحسينية وإيصالها بصورة مبسطة يتخللها الوعي والثقافة..
وكان للأديب والشاعر فراس الأسدي الرأي الآتي:
_ لا يمكن مقارنة المراثي الحسينية بين الماضي والحاضر، فهناك إختلاف كبير بين ما كان يُكتب سابقًا عمّا يُكتب اليوم، من ناحية إختيار المفردة الناجحة وطريقة صياغة الجملة الشعرية وإتباع الحدث الطفّي التأريخي والإبتعاد عن الغلو وغيرها، لذلك نجد اليوم بعض القصائد الحسينية غير اللائقة ولا تتناسب مع حجم القضية الحسينية.
أظن أن ثمةَ أسباب جعلت من القصيدة الحسينية في تدني واضح ومن أبرز هذهِ الأسباب هي قلة ثقافة الشاعر وعدم إطلاعه على تأريخ الطف وقراءة الواقعة بشكل صحيح مما يؤدي به إلى كتابة القصيدة بشكل عشوائي ومن غير معرفة، وكذلك من بين الأسباب هو البحث عن الشهرة ودخول شعراء لا يمتلكون الخبرة اللازمة في كتابة القصيدة المنبرية، وهذا ما لا نجدهُ عند شعراء الحقبة الماضية، فلو تفحصنا قصائد الشعراء الماضين لوجدناها قصائد راكزة ورصينة ولا يشوبها الخلل لا في صياغتها ولا صورها ولا معانيها ولا جوانبها الفنية الشرعية والتأريخية.
أما عن كيف نوظف المفردات في خدمة القضية الحسينية؟ وماهو الأسلوب الأصح للطرح لقلب المتلقي؟
يقول الأسدي: لا يمكن توظيف ذات المفردات التي يستعملها الشاعر في القصيدة العمودية (قصيدة المنصة) وتضمينها في القصائد المنبرية، فللقصائد المنبرية شأن خاص وأهمية كبيرة تنفرد بها عن أخرياتها، فبعض المفردات يصحُ استعمالها في قصيدة العمود لأن الشاعر هو من يقوم بقراءتها على المنصة ولكن لا يجوز تضمينها في القصيدة المنبرية لأن المنبرية تُقرأُ من على المنبر ومصحوبة بلحن معين، وحتى لا تُفسد القصيدة المنبرية يجب ابعاد المفردات التي لا تمت للقضية الحسينية بصلة عنها.
أمّا عن الأسلوب الأصح فيجب أن تكون القصيدة منبثقة من عمق الحدث الطفي الحسيني وتكون صياغتها بأسلوب لا يخرج عن السلف الصالح الذي سبقونا بالتجربة وأن تحمل مضامين العِبرة والعَبرة والعقيدة والولاء لتصل إلى المتلقي بيسرٍ وسهولة..
وكان للأديب والشاعر الأستاذ خالد الخزاعي جواب على السؤالين بشكل مختصر ودقيق:
_ منذ أن كُتبت المراثي فإنها كانت تمثل وسيلة اعلامية لتعريف الناس عموما بمكانة أهل البيت (عليهم السلام) وتبيان ظُلامتهم التي جابهها بهم الحاقدون والمنافقون والمؤلفة قلوبهم ممن عاصروا النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته والمخلصون من صحابته فمنذ رزية الخميس وما جرى بعدها من مآسي على أهل بيت النبوة ومرورا بمصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) وحتى آخر معصومٍ اختفى من أعين ملاحقيه من النواصب وحتى يأذن الله سبحانه وتعالى بالفرج له ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً.. كانت المراثي تحكي للناس هذه المأساة.
لذلك وعبر هذه المراثي انتشرت أخبار أهل بيت الرسالة وعرف مناصروهم وأتباعهم وشيعتهم مقدار ماتعرضوا له (سلام الله عليهم) من أذى وحيف وظلامة دون وجه حق..
وكان من أصداء ذلك بروز المراثي هذه التي بدأت ببساطتها في صياغة المفردة ومفهوم لغة أهل زمانها الدارجة بسيطة وعفوية امتاز بعضها بالرزانة (والحسجة) وجزالة اللفظ. ولم تهتم قصائد المراثي وقتها بكثافة الصورة الشعرية كما هو اليوم وبمرور الزمن نضجت هذه المراثي وارتقت إلى مستوى أكثر في صياغة المفردة والمعنى خاصة فترة الستينيات وما تبعها من عقود بوجود عمالقة شعراء أهل البيت، نذكر على سبيل المثال الشاعر عبود غفلة وعبد الأمير الفتلاوي وأمير الشعراء كاظم المنظور الكربلائي وغيرهم عشرات من الشعراء الذي طوروا المراثي إلى مستور يفوق زمن بداياتها وحتى وصل يومنا هذا إلى تطور ملفت للنظر من ارتقاء مبهر للقصائد الرثائية التي قُرأت على المنابر وسجلت في وسائل الإعلام المختلفة من قبل طيف كبير من شعراء الحداثة وهنا أود أن أشير إلى أن هذا التطور في كتابة المراثي رافقه نشاز غير مقبول في كتابة بعض قصائد المراثي من قبل بعض المحسوبين على الشعر ظلما وجزافا منها مايمس مقام المعصومين حاشاهم وتجاوزهم على مكانتهم التي رتّبهم الله فيها يخاطبونهم كأنهم أناس عاديون مستغلين فسحة الحرية الفكرية التي نعيشها اليوم ليحولوها إلى فوضى عارمة مع الأسف وليس هناك من سلطة تستطيع كبح جماح هذا المد الفوضوي للسلطة دينية ولا جهة رقابية فلا أحد يسمع أو يستجيب وهدفهم من كل ذلك سرعة الانتشار وعلى طريقة (خالف تُعرف).
إن كلا الحالتين في الايجاب والسلب من كتابة المراثي لها تأثير واضح على المتلقي الايجاب يهذب النفس ويرتقي بها والسلب يهدم الذائقة وخاصة الجهلاء، والبسطاء من الناس الذين يتصورون أن هذا الكلام (النشاز) هو الصحيح وهذا بالضبط عكس الواقع ويحتاج إلى توحيد الآراء والكلمة من قبل أصحاب الرأي الحصيف والمعرفة والتخصص والتأثير في الآخرين لايقاف هذا الانحدار الخطر للذائقة التي إذا لم يتم التصدي لها سيتصورها الجاهلون أنها هي الصحيح وعكسها الخطأ وهنا ستنهار القيم الأخلاقية ويتلاشي الوعي المراد نشره للناس من المخلصين في نشر ثقافة أهل البيت (عليهم السلام).
اضافةتعليق
التعليقات