كانوا قوما مترابطين ومتآزرين يحب بعضهم بعضا، يعيشون بقرية صغيرة وجميلة تتوفر فيها خيرات كثيرة ويتمتع سكانها ببساطتهم وقناعتهم، عاش هؤلاء القوم لا يعرفون للخوف عنوان وليس للمرض عندهم مكان.
كان لسكان هذه القرية ميثاق أو عهد يقطعه كل مولود لهم من لحظة ولادته ويبقى يرافقه إلى آخر رمق من أنفاسه. إن هذا الميثاق إنساني وأخلاقي وهو عهد انتظار الامام الموعود، فهم منذ ولادتهم يعاهدون الامام المنتظر على انتظاره وأن يكونوا من أنصاره، كان حبهم لإمامهم طاغياً على ملامحهم وتصرفاتهم وأثمن ما لديهم هو انتظار امامهم وموعد ظهوره.
يمتلكون رضا روحي ولديهم يقين واضح بعدم تعرضهم لأي خطر لأن وجدانهم يحمل في ثناياه حب الله وانتظار الامام الموعود الذي يحرسهم بأمر الله، كانت ثقتهم بربهم عالية وكبيرة ورب العزة لم يخذلهم يوماً كونهم مخلصين في انتظارهم وحبهم إلى امامهم الموعود وهو واسطتهم إلى الله سبحانه وتعالى ودائما يرددون الآية القرآنية: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا". وهم واثقون كل الثقة أن رب العزة لن يخذلهم.
بدأت القرى التي حولهم تنتبه إلى هذه القرية ويتوجسون خيفة من سلام أهلها الروحي ويبحثون عن سر هذا الأمان الذي يعيشونه سكان هذه القرية، خاصة أن القرى المجاورة تشتكي الفقر والكوارث وتتذمر من الحوادث المتكررة.
بينما هؤلاء لا يتذمرون من التعب ولا يشتكون الألم، هذا لا يعني أنهم ليس لديهم شكاية أو لا يتعرضون إلى عقبات كباقي القرى ولكنهم إن أرادوا الشكوى أو العتاب فيلجأون إلى امامهم المنتظر ليكون وسيلتهم إلى رب العزة. يتحملون مشاق الحياة ولايتذمرون لأنهم يدركون أن الدنيا دار فناء وأن الفرج الحقيقي هو في لحظة ظهور امامهم المنتظر الموعود لذا تبان عليهم معالم الهيبة والوقار والمكابرة على المصاعب.
احتارت قادات القرى المجاورة في أمر قوم هذه القرية الصغيرة وظلوا يبحثون عن سبب هذه العظمة والرفعة التي تبدو على هؤلاء القوم لذا اتفق قاداتهم على أن يغيروا عليها ويغزوا خيراتها لكسر شوكة أهلها.
وفعلا في ليلة غابرة غاب عنها القمر أغاروا على تلك القرية الجميلة في غفلة وكان سكانها نائمين نهبوا كل خيراتها هجموا عليها كوحش كاسر لم يذق الطعام لعدة شهور ورأى طفلة تركض أمام ناظره فهجم عليها. قصوا جدائلها الذهبية واغتصبوا براءتها بكل وحشية وتركوها عارية بين جرداء الصحراء تلفظ أنفاسها الأخيرة، وعند خروجهم كانوا على يقين أن أمر هذه القرية انتهى وفي الصباح ستكون رمادا.
ولكن تفاجأوا في صباح اليوم التالي أنهم عادوا وكأن شيئاً لم يكن ونفضوا غبار حربهم بكل شموخ وقوة وهيبة. كيف يستطيعون كسر شوكة قوم تربوا على الانتظار والصبر على فراق منقذهم وولي أمرهم، فهم يخلدون إلى النوم في كل ليلة على أمل اللقاء ويستيقظون صباحا ليقولوا متى ترانا ونراك أيها الموعود ويرددون في صلواتهم: "اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين". هذه كفيلة بأن توقفهم على أقدامهم بكل قوة وحزم وحب وتآلف.
رجعوا ووقفوا من جديد ونفضوا غبار الغارة الوحشية من على أكتافهم بكل قوة وثقة بالرغم من حصار القرى المجاورة لهم ومقاطعتهم ومعاناتهم من ظلم ووحشية العدو ولكن حب امامهم وانتظاره الجميل كان هو نبراسهم إلى بر الأمان.
إن هذا الرضا نابع من قلوبهم وقناعتهم بأن الكنز الحقيقي هو ظهور الامام الموعود وكان مطلبهم الوحيد هو رضا الله وأن يكونوا من أصحاب الامام الموعود. باتت هذه القرية محط أنظار الجميع والكل يسعى إلى كسر شوكتهم بأي شكل من الأشكال وأي طريقة من الطرق المتوفرة، وفعلا تكررت عليها الغزوات ونهبت جميع خيراتها ولكن لم يستطيعوا كسر شوكتهم.
وفي يوم من الأيام اجتمع رؤساء القرى ليتأمروا على هذه القرية المسكينة قال حاكم إحدى القرى لماذا نحن وسط هذه الابتلاءات والكوارث الطبيعية والنووية وهم في مأمن منها، ما الذي جعلهم في هذه المكانة الكبيرة حتى بعد أن سلبناهم مالهم وحريتهم وكل مايملكون وهم مازالوا ينعمون برضا روحي كبير وفي مأمن من جميع الكوارث، ما هذا التوفيق الذي يملكونه لابد أن هنالك سر يجب أن نصل إليه.
قال كبيرهم أن هذا التوفيق ماهو إلا توفيق إلهي وسببه انتظارهم وولائهم لإمامهم المنتظر فيجب أن نكسر شوكتهم بقطع دابر انتظارهم لإمامهم الموعود. ضحكوا جميعا وقالوا كيف نقطع ذلك الحبل المتين إنهم يعيشون من أجل انتظار الموعود، وقد رضعوا حب الانتظار من حليب أمهاتهم، أجابهم: عليكم بشبابهم أدخلوهم دائرة الشك وهذه هي الرصاصة التي ستقتلهم.
فعلا نشروا جواسيسهم بين أبناء وشباب هذه القرية لتشكيكهم بعقيدتهم وضرب شوكة الانتظار وحدث مالم يتوقع حدوثه، فاستطاعوا بجنودهم الموكلون أن يبثوا التفرقة والشقاق بين صفوف هذه القرية وصار سكانها مابين مؤيد لنظرية الانتظار ومابين رافض، مابين مشكك ومابين متيقن.
فانشقت الصفوف وتصاعدت الأصوات ونسوا امامهم الموعود ونسوا الأمور والطقوس التي كانوا يفعلونها لتعجيل الظهور وبدأوا يشكون ويسخرون ويضحكون وغاب الغائب ودقت الطبول. واستهانوا برجالات الدين وضحكوا على الطقوس وغاب الاحترام وغابت الأخلاق والدروس.
لذا كثرت على هذه القرية الفجائع واقتحمتها الكوارث كتنبيهات ربانية لهم عسى أن يعودوا إلى الموعود وترجع العقول إلى مسيرها المعهود مرة أرسل إليهم إعصار قوي وأخرى زلزال خفي لكن الغشاوة قد ملئت قلوبهم وفي آذانهم وقرا.
ولم يصحوا من غفلتهم التي باتت تتفشى بصورة كبيرة إلى أن نقر ناقوس الغضب الإلهي بجند من السماء غير واضحة المعالم صرخت بوجوههم صرخت مدوية جعلتهم يتخبطون ببعضهم ولا يعرفون من أين طريق الفرار الكل خائف ومرعوب من عدو مجهول ليس له طريق وليس له سلاح معلوم بدأ الأب يخاف من ابنه والأخ لايسلم على أخيه والكل رقد في البيت والهلع والخوف يحوم أمام أعينهم.
أصبحت القرية خالية من البشر مفرغة من الأصوات، الشوارع هادئة وأبواب المحلات مقفلة وبيوتهم بلا أبواب وأشجارهم بلا أغصان وطيورهم بلا أجنحة.
فقد سجنوا تحت جدران بيوتهم بالاجبار خوفا من عدو لا يرى بالأنظار فقط عيونهم تترقب إلى حيث مالا يعلمون فبدلا من انتظارهم إلى الموعود بدأوا ينتظرون مصيرهم المجهول.
وعندما أحسوا بخطر الغضب الإلهي وأرادوا أن يصحوا من غفلتهم كان الأوان قد فات فقد أغلقت المساجد بعد أن طرد مصليها وسدل الستار على الصلوات ونفرتهم مراقدهم ولم تستقبلهم طقوسهم هنا أحسوا ببرد شديد وتوهان عميق فالتوفيق الإلهي غاب والرحمة التي كانوا ينعمون بها اختفت مع انطفاء لهيب الانتظار.
هنا أحسوا بأنهم اضلوا الطريق وانحرفوا عن المسار الصحيح ولن يعرفوا طريق العودة إلا بظهور امامهم المنتظر المعهود ليملأ الأرض عدلا وقسطا بعد أن ملئت ظلما وجورا.
اضافةتعليق
التعليقات