في طاولة الحوار غالبا ما تترادف الأفكار وتتبادل الرؤى وتتنوع وجهات النظر وهو ما يمثل الطبق الرئيسي في تلك الطاولة.
هناك في وسط الحضور يتفرعن طاووس فكري ويبدأ باستعراض كمية الألوان في ريشه، وتزداد ألوانه كلما علا المدح والثناء، حتى ضممتُ اسمي في قائمة العباقرة، آينشتاين، ودافنشي، وغيرهم ممن قد يصلون لي، حتى أصبحتُ لا أتقبل النقد، وعندما أُنْتَقد أخرجُ بمسوّغ لأدفع ذلك عني، لأنني أنا ذلك العالم في نظر من حولي ولا أهتم لكلمة قد تكون هي المنصفة!.
في جلسة سمر أقضيها مع العلماء أمثالي على طاولة الشهرة ونبدأ بالتساؤل ترى من أكثر شعبية لديكم الآن، أنا وبكل تواضع، تُدار إليَّ العيون بتساؤل واهتمام، طبعا عن المنجز الذي لدي، فأسترسل حديثي بكل ثقة كوني أحطم الرقم القياسي للمتابعات، فقلت آخر ما صدر لي حصل على مائة مليون مشاهدة، والقليل مني يحصد خمس ملايين متابعة، وإذا كانت المادة فيها ما يثير رأي الناس فهذه تكون قضيتي الرابحة، وما فيه مجون فهو ينشر في رمشة عين وقبل أن يعود الطرف تحصد الملايين.
قام أحد الجالسين سائلا: أتستخدمون الشعر؟ وهل استحدثتم أوزانا؟
أجبتُ: نعم، لفتياتنا أشعار لا تستوعبها مقاييسكم، فمجرد أن تضع فتاة سماعة أذن وتفتح الكاميرا وتنطق أولى كلماتها تخضع لها أوزان الشعر وتراها في كل القصص الموجودة في البرامج وتنهال الشتائم حول ذلك الخائن الناكر للجميل ويصبح المجتمع كله مُخان! وتتواتر عليها التعليقات، وهكذا الأشياءات التي مثلها.
جاءتْ الصرخة: ويحك.
هنا ارتعدت فرائصي، ثم جَمّعتُ قواي قائلة ومن أنت؟
ليجيب بثقة: أنا من أولئك الكوفيين، الذين أقمنا الجلسات والمناقشات لنتفق على ما تخربيه أنتِ ومن معكِ، عندما تجمعين أشياء وهي جمع في الأساس.
قمتُ أنا حينها قائلا: دعكم مما تزعمون ولنرى لغة الأرقام ماذا تقول.
ضغطة زر كانت هي الفاصل في اثبات وجودي أكثر من وجودهم في هذا العالم، فعرضت له ما يتهافت عليه المجتمع من متابعات واعجابات ثم انتقلنا لرحلة إلى المواقع لنجدها لا تزيد عن أختها، ثم توجهتُ إلى ساحة المواقع الخاصة بعلومهم تكاد تخلو إلا ممن عرف أنه لم يُخلق عبثا، أو من أجبرته دراسته أن يذهب وراءها، وقليل منهم من اطلع حبا للعلم.
هنا كأن الطير وقف على رؤوسهم لملموا أوراقهم جازمين بأننا لا نعيش في أكثر عصر يتسم بالضياع ويتقن فن التفاهة.
أطرقتُ رأسي خجلا بعد أن خرج الجميع ثم توجه لي أحد العلماء وأظنه ممن يعمل في الكيمياء ليقول لي إبدأ بنفسك أولا فقد سمعت ممن يروي عن سيد العلماء الامام علي عليه السلام قائلا: "إن سمت همتك لإصلاح الناس فابدأ بنفسك فإن تعاطيك صلاح غيرك وأنت فاسد أكبر العيب)، ولا تنسى قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
ميزان الحكمة ج3 2206
غرر الحكم: ٧٠٦٢، ٧٠٧٣، ٧٠٧١، ٣٧٤٩.
اضافةتعليق
التعليقات