أحد أهم المشاكل التي تواجه العالم البشري هي حالة التصادم الذي تعيشه المجتمعات في كيانها نتيجة للتناقضات والتباينات في المصالح والأفكار والتي تضعها أمام الأزمات التي تعصف بها وتهز أركانها.
وقد تقودها نحو الحرب، وهذا يعني أن تكون هذه المجتمعات هشة وضعيفة وسهلة الانفراط والوقوع في الطريق المسدود الذي لا ينفتح أمام العدل والسلام والاستقرار التي هي أماني وأحلام البشرية ..
ولكي يتم فك التشابك والاختلاف الذي قد يحصل بين أفراد المجتمع ووضع حد لأولئك الذين لاتقف أطماعهم إلى حد كان لابد من وجود معايير ومبادئ يرجع إليها المجتمع لتنظيم السلوك الاجتماعي وفك التصادمات والحفاظ على الحقوق المشروعة لكل فرد..
ذلك أن الانسان (كائن إجتماعي بفطرته وطبيعته لايستطيع أن يعتزل الناس لأنه عاجز بمفرده عن الوفاء بحاجياته وذلك يستتبع وجود علاقات عديدة بين أفراد المجتمع وهي علاقات لايمكن أن تُترك فوضى ينظمها كل فرد وفق رغبته ومشيئته، لذلك لابد من وجود قواعد موضوعة تهدف إلى إقامة التوازن بين الحريات المتعارضة والمصالح المتضاربة محققة بذلك العدل والاستقرار).
" فقه القانون" كتاب المناقشة لنادي أصدقاء الكتاب لهذا الشهر، وهو أحد أجزاء الموسوعة الفقهية للفقيه العالم آية الله السيد محمد الحسيني الشيرازي "قدس سره".
القانون مهما كان نوعه وبأي مجال من مجالات الحياة كان ارتباطه يجب أن يستفاد من الأدلة الأربعة: الكتاب - السُنة - الإجماع - العقل ..
ويقول الإمام الشيرازي: الظاهر إن ما ذكره العامة من الأدلة الأُخرى: كالقياس والإستحسان والمصالح المرسلة وما أشبه هي بنظرهم مستفادة من الأدلة الأربعة المتقدمة كما يظهر ذلك في كتبهم لكن الشيعة لا يقولون بها..
وقوله: من الواضح أن القانون في الإسلام أعم من القانون الوضعي حيث يشمل المستحبات والمكروهات والمباحات وكذلك يشمل العبادات ونحوها ولا يحق لأي إنسان أن يستنبط القانون من هذه الأدلة إلا بعد أن يصل إلى درجة الإجتهاد..
ويناقش مسألة بالغة الأهمية في قضايا القانون وهي كيفية معالجة الإختلاف في القانون بقوله: لا شك في أن الدولة بحاجة إلى قانون موحد وآراء الفقهاء المستنبطين عن الأدلة الأربعة مختلفة في كثير من القوانين فكيف يعمل بها؟
ويجيب بقوله: يعمل بأكثرية الآراء حيث يصب منها القانون فإن ذلك هو المستفاد من دليل (الشورى) الحاكم على دليل (التقليد)..
ويطرح الإمام الشيرازي مسألة قانون التساوي بين الذكر والأنثى بقوله: القانون الإسلامي يساوي الذكر مع الأنثى في كل الأمور إلا موارد خاصة إستثنائية قطعية مثل الإرث وما أشبه ذلك وقول سبحانه وتعالى: (يُوصِيكُمْ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ).
ويعرض أقسام القانون بقوله: قوانين بلاد الإسلام على ثلاثة أقسام :
الأول : ما يعم المسلمين وغير المسلمين مثل قوانين المرور والصحة وسائر الأمور العامة التي ترتبط بالدولة بما هي دولة وهذه يُعاقب على تركها المسلم وغير المسلم..
الثاني: ما يخص المسلمين ويترك لغير المسلمين شأنهم مثل الصلاة، الزكاة، الصيام، موازين النكاح، الطلاق، الإرث، ومختلف أنحاء المعاملات، وفي مثل هذه القوانين لا يختلف مسلم عن مسلم إلا بما تستدعيه الإختلافات المذهبية وكل يقر على مذهبه ..
الثالث: ما يخص غير المسلمين والقاعدة العامة فيهم أنهم إن أتوا بما يوافق مذهبهم - من غير أن يظهروا المناكير- يتركون وشأنهم ..
ويناقش أيضاً التبعات القانونية والشرعية على المسلم الذي يقيم في البلاد غير البلاد الإسلامية بقوله: إذا كان المسلم في غير بلاد الإسلام طبق على نفسه أيضاً أحكام الشريعة إذ لا إحترام لقانون يخالف الإسلام سواء وضعه مسلم أم كافر إلا إذا كان هناك محذور ..
أما كيفية أسلوب تطبيق القانون فيرى الإمام الشيرازي إن كل قانون إذا أُريد تطبيقه لا يكون إلا بأحد أمرين:
الأول: القوة أو القهر
الثاني: الإقناع
أما القانون الإسلامي فقد طبق أول ما طبق بالقناعة لأنه فطري ولاحاجة في تطبيقه إلا بفهم الناس له وربما كان هناك موانع من تثبط المنفذين وتكاسلهم فيدفعهم الإسلام بالقدر الضروري جداً كما هو المعروف من سيرة الرسول (صلى لله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) ..
ويعرض الإمام الشيرازي لمقومات تقدم القانون بقوله: إن القانون الذي يريد التقدم وتطبيق الناس له بحاجة إلى أمرين :
الأول: صحة القانون ولو زعم الناس صحته.
الثاني: صلاحية حملة الداعين إليه لالتفاف الناس حولهم ..
ثم يستطرد الإمام الشيرازي قوله: إذن فعلى من يريد تطبيق الإسلام من جديد أن يوفر في نفسه ومنهجه ما يوجب التفاف الناس حوله حتى يستطيع أن يخطو بهم إلى الأمام وإلا سيبقى المسلمون يرتطمون في غمرات التأخر ..
بعض ميزات قانون الإسلام :
هناك فرق بين قانون الإسلام والقوانين الوضعية من حيث أن قانون الإسلام:
سابق ظرفاً ودائم زماناً وكامل كماً ووسيع مكاناً ومتسام كيفاً بخلاف القانون الوضعي في كل ذلك.
أما السبق ظرفا: إن الأحكام نزلت تدريجياً خلال عقد من الزمان في المدينة المنورة إلا بعض الأحكام القليلة جداً التي نزلت قبل ذلك في مكة المكرمة.
أما الأئمة الطاهرون (عليهم السلام) فهم الشُرَّاح والمبينون ولذا كانوا يقولون: إن حديثهم حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
أما الدوام زمانا: إن القوانين الوضعية يضعها جماعة – على أحسن الظروف – لها ملابساتها الموجبة للتباين ومن وجه والمطلق بالنسبة الى الزمان المتأخر، ولذا لايزالون يعدلون تلك بالشطب والتضييق والتوسعة.
بينما ترى أن قوانين الشريعة ليست كذلك، وإنما المحتاج إليه هو الاستنباط لتطبيق الكبريات على الصغريات مع متجددات الزمان. مثلا: المغارسة، والتأمين، والمعاملة السابحة، ووقف الروح العام لا الجسد الخاص، والشخصية الحقوقية و.. كلها مستفادة من كليات الأحكام مثل: (أوفوا بالعقود) و(الوقوف على حسب مايقفها أهلها) إلى غيرها من أشباه ذلك.
وأما الكمال كماً: فلأن الانسان بحاجة إلى ملايين القوانين التي تنظم حياته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والتربوية والعسكرية والسياسية وغيرها، بالإضافة إلى أن الانسان تقدمي وبحاجة إلى قوانين تضمن تقدمه ورقيه، فإن (من استوى يوماه فهو مغبون). والإسلام في شرائعه العامة والخاصة واف بكل حاجيات الانسان ويدل على ذلك الفقه المدون، حيث لم تكن مسألة من المسائل في يوم بلا جواب.
وأما الواسع مكانا: فلوضوح أنه قانون بلا فرق بين اختلاف الشعوب والقبائل، وفي كل مكان من غير فرق بين الحدود الجغرافية القديمة أو الحديثة.
وأما التسامي كيفا: فلأنه مطابق للفطرة، موجب للعدالة، آخذ بنظر الاعتبار ضعف الإنسان فلم يعنت به وهو مع هذا كله أسمى من مستوى الناس مهما بلغوا في المستوى وتقدمي إلى أبعد حد وبما للكلمة من معنى، ويذكر الإمام الشيرازي بعض هذا التسامي والمساواة والتسامح والتساوي بين الرجل والمرأة وكثرة الحريات والعقل والتعقل والعلم والعلماء والشورى والتشاور والعفو والتجاوز وعدم مؤاخذة الغير وتقييم السعي والأخلاق وسائر الأحكام.
اضافةتعليق
التعليقات