يسعى الإنسان في الحياة ويطمح أن يكون سعيدا، يعيش الحياة بهدوء وراحة بال، ينظر الى الأيام القادمة بأنها تحمل له المفاجئات السارة، وينظر الى الماضي بما يحمل من ذكريات جميلة، ويختلف معنى السعادة ومفهومها من شخص الى اخر، فبعض الاشخاص يرون السعادة تكمن في المال وهم يتناسون أن المال زائل، وسعادته آنية قال تعالى (ما اغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه) واخرون يجدون السعادة في تحقيق الذات من خلال العمل، وغيرهم يرون ان السعادة في الصحة واخرون يجدوها في طاعة الله وعبادته والفوز بالجنة، اذن كل انسان جزء من حقوقه العيش بسعادة وهو هدف سامي وجميل في الحياة الدنيا والاخرة فلا يوجد أجمل من السعادة.
السعادة لها مردودات فالإنسان السعيد يعطي لعائلته ومجتمعه وبلده، والانسان البائس والحزين لا يملك أن يوفر السعادة لذاته فكيف يمنحها للأخرين، فهناك قول مأثور: اذا اسعدت نفسك اسعدت من حولك، اذن السعادة لا تعني أن يعيش الانسان حياته بدون معوقات أو مشاكل وانما تكمن في كيفية التعامل مع هذه المشاكل وحلها.
من هذا المنطلق موقع (بشرى حياة) يستطلع اراء شرائح مختلفة من المجتمع حول موضوع اهمية السعادة في حياتنا، وهل هي هدف ام أداة؟ وكيف يمكن ان يكون الانسان سعيدا؟ فكانت لنا معهم هذه الوقفة:
السعادة تنبع من دواخلنا
ام رؤيا تجد ان كل انسان يرى السعادة من منظوره الخاص، فتحدثت قائلة: السعادة هدف فتفرحني ضحكة طفل او قراءة كتاب جديد استفيد من معلوماته واكتساب معرفة جديدة بالحياة، فالسعادة تنبع من داخلنا قبل المحيط الخارجي، فمهما صعبت الحياة لا بد من وجود افق للأمل من خلال الايمان بأن الله تعالى يرسم للإنسان حياته، وعلى الانسان ان يتعامل مع كل الاحداث التي تمر بحياته بعقلانية ودون تسرع.
السعادة يمنحها الله لمن يستحقها
ابو صاحب موظف استشهد بقول الله تعالى:
﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾. صدق الله العلي العظيم.
اذن السعادة تكمن في ارضاء الله ومخافته وذكره في كل الأمور والله تعالى يجازي كل نفس بما عملت بالخير او السوء.
السعادة في عبادة الله تعالى
الانسة مروة السلامي/ طالبة: تجد أن السعادة في عبادة الله تعالى، ومحبته والتقرب اليه، وقالت أن على الانسان ان يعيش يومه فالماضي بأحزانه وافراحه لا يعيد الفرحة للإنسان، ولا التفكير بالمستقبل يسعد الانسان لأن المستقبل بيد الله لا يعرف ماذا يخبئ له، اذن السعادة في أن يعيش الانسان يومه بحب الله لأنه لا يعرف ماذا تخبئ له الأيام القادمة فالحزن يقوي الانسان والسعادة تجعله يستمر.
عن أي سعادة تتحدثون
(ر.ص) رجل في الخمسينيات من عمره رفض ذكر اسمه: نحن نعيش في بلدنا غير آمنين، حروب وعدم استقرار سياسي واقتصادي وأمني وعدم وجود خدمات ورفاهية، فوحده انقطاع التيار الكهربائي يجعلني أكره حتى نفسي وليست حياتي فقط، لم أشعر بالسعادة طول عمري، عاصرت كل الحروب التي مرت على بلدنا، ومررت بظروف مادية ونفسية مريرة لا يمكن لإنسان عادي تحملها، لم تعطني الحياة إلا الويلات والمصائب والمشاكل، تعودت ان أعيش بهذه الطريقة فلا يوجد شيء يستحق السعادة.
بعض الاشخاص يشعرون بالحزن كونهم سجناء الماضي
يقول علي محسن/ موظف: إن الخذلان الذي يصيب الانسان في ماضيه يجعل شعور الحزن مرافق له، وشعور السعادة لا يعتليه إلا ما ندر كونه متقوقع في ماض مظلم لا يستطيع الخروج منه الى نور المستقبل والحياة.
شاطرته الرأي أم معتز وهي أم لثلاثة اولاد فقدت زوجها في حادث مفاجئ قلب حياتها رأسا على عقب على حد قولها، مضيفة: كنت أسعد انسانة في ظل زوجي وشريك حياتي لكن موته المفاجئ سلب مني كل مشاعر السعادة ولا انسى لحظة سماعي الخبر، اضافة لكوني تحملت تربية ومسؤولية تربية الاولاد وهذا ليس بالشيء الهين.
تبحث الناس عن السعادة، أما السعادة فتبحث عن من يستحقها
رنا عبد الهادي موظفة وأم لأربعة اولاد تقول: إن السعادة شعور فطري، تجد انسان لا يملك شيء لكنه سعيد ومتفاءل وتفرحه أبسط الاشياء، وتجد اخر لديه من الاموال والاولاد والمكانة الاجتماعية إلا انه لا يشعر بالارتياح الحقيقي، ولا تنعكس الراحة والخير الذي منحه الله به بل احيانا تجده يتذمر من الحياة، أنا أجد أن مخافة الله والقناعة بما منحه الله للإنسان هي التي تجعله يتمتع بحالة نفسية جيدة ومريحة له وللمحيطين به.
السعادة الزوجية
ام أحمد امرأة اربعينية وربة بيت تقول: إن التوافق بين الزوجين يمنح الطرفين سعادة كبيرة ينعكس أثرها على الأسرة والمجتمع، فنجد في مجتمعنا مع كل الأسف اسر مهدمة بسبب عدم توافق الأم والأب مما أفقد هذه الأسر سعادة كبيرة من خلال احتضان اسرهم لهم، فأنا أجد أن السعادة تبدأ من الأم والأب وبالتالي يصل هذا الشعور للابناء.
الاستقرار السياسي يمنح الشعوب السعادة
ثائر عبد الامير/ رجل اعمال يقول: أطلقت بعض دول العالم ومنها الإمارات سلسلة من المبادرات والخطط والاستراتيجيات التي تجعل المواطن وسعادته محور أساسي لها، وباتت السعادة أسلوب حياة ومنهجا في الدولة، وفي إطار جهود الدولة المتواصلة لإسعاد أفراد المجتمع استحدثت منصبا جديدا تحت مسمى (وزير دولة السعادة) مهمته الأساسية ملائمة كل خطط الدولة وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع وإيجاد بيئة يتمكن فيها الناس من تحقيق سعادتهم واهدافهم.
أرضي هي سر سعادتي
ابو صباح فلاح يحكي تجربته ويقول: اجد سعادتي في ارضي وارض اجدادي، فأنا توارثت هذه الأرض من جدي ووالدي، وتعلمت الزراعة على ايديهم، فعندما ازرع الارض اراقب نمو الزرع فيها وكلما تنمو سعادتي تنمو وتزداد وكأنها جزء مني وعندما تثمر واقوم بالحصاد وببيع الثمار والمزروعات أكون بقمة سعادتي، السعادة بسيطة لمن يبحث عنها سيجدها ويعيشها.
شعور الفقدان
سيدة رفضت ذكر اسمها ام لشابين وثلاث بنات، واحد من اولادها فقدته في الحرب ضد داعش الارهابي: تجربتي كبيرة كنت سعيدة جدا بوجود عائلتي، زوجي واولادي، الى أن فقدت احد ابنائي في الحرب ضد داعش، تغيرت حياتي جذريا، فالسعادة فقدتها منذ فقدانه؛ حبيبي ونظر عيني على حد وصفها، الفقدان شعور لا يشعر به إلا من خاض التجربة، ايماني كبير بالله وعزائي الوحيد أن ابني شهيد، لروحه السلام والجنة.
السعادة أداة لتحقيق الاهداف
احمد فاضل/ طالب جامعي يقول: على الانسان أن يسعى الى تحقيق السعادة في حياته من خلال تحدي كل الظروف، من خلال الاهتمام بصحة الجسم والبدن وتعزيز الشعور بالنشاط والقوة ومواصلة العمل لتحقيق الهدوء النفسي، كذلك إن تعزيز العلاقات الاجتماعية من خلال كسب اصدقاء مخلصين ومساعدة الاخرين هي جزء من السعادة فالسعادة ليست هدفا يحققه الانسان وانما هي أداة من اجل تحقيق الأهداف.
الصديق الايجابي وجوده مهم
عذراء عبد الامير/ خبيرة كومبيوتر: استشهدت بالقول المأثور (لا تفضي بمتاعبك إلا لأولئك الذين يساعدونك بتفكيرهم وكلامهم الذي يجلب السعادة) فالسعادة احيانا تكون مكتسبة من خلال الرفقة والاصدقاء، فبعض الأصدقاء يكونون سلبيين يضفون الى حياتك نوع من السلبية، فيجب التأني في اختيار الصديق الحقيقي، ليكون وجوده ايجابي في الحياة، أي لا يضيف همّا فوق همومك ومتاعب الحياة، فالإيجابية مطلوبة من خلال الصديق الحقيقي الذي يحمل عنك الهمّ من خلال النصح والارشاد الذي يصلك الى بر الامان.
المدرس صافي داخل نوام الزيادي/ اختصاص الصحة النفسية والعقلية في جامعة كربلاء:
بدأ حديثه بتساؤلات؛ ماهي السعادة؟ وكيف اشعر بها؟ وهل هي فعلا موجودة! أم انها معنى او مفهوم اسطوري ليس له وجود إلا في الكتب الفلسفية وكتب علم النفس! أم انها موجودة ولكنها غير قابلة للتحقق؟
تساؤلات كثيرة قد يطرحها الكثير على نفسه، ويمكن مناقشتها من عدة وجوه وعلى شكل اسئلة واجوبة: ماهي السعادة وماهي اسبابها وماهي مظاهرها واخيرا تأثيراتها على الانسان, وسوف نجيب عليها باختصار قدر الممكن، فالسعادة من وجهة نظري البسيطة: هي شعور واحساس نفسي يغمر الانسان في لحظات أو مواقف معينة، تجعله يعيش حالة الفرح والحب والسلام الداخلي, شعور يجعلك تود لو تعانق كل من تراه في طريق، وأما عن أسبابها فكثيرة ومعقدة الى درجة انك لو افردت لها فصلا من كتاب لا يكفي.
اذ تتوقف السعادة على أمور كثيرة من أهمها الحاجة أو عملية تحقيق وتلبية الحاجات إذ إن الحاجة تولد شعور بالألم النفسي وتجعلك دائما في ضيق وشد نفسي وبالمقابل فإن تحقق الحاجات يؤدي الى الشعور بالسعادة والتي تعتمد على طبيعة الحاجات لذلك الشخص، فمن قتر عليه رزقة يكون الحصول على المال هو سبب سعادته ومن حرم الاولاد يكون المولود الاول كنز سعادته ومن لا يعمل يكون يوم الحصول على وظيفة يوم سعادته، وسعادة المريض عند شفائه لا تضاهيها سعادة ومن فاتها قطار الزواج فالزواج سبب سعادتها, ومن حيث تعدد اسباب السعادة يكون الشعور بها مختلف من حيث الشدة والاستمرارية ولك ان ترفع سقف الاحتياجات لترفع مستوى السعادة فمن الناس من يفكر في تغيير مصير شعب كامل أو أمة وتصور عند تحقق هذا الحلم مقدار أو مستوى السعادة والطمأنينة التي يشعر بها وتلك سعادة العظماء من الناس.
وأهم مظاهر السعادة وعلاماتها فكثيرة منها: أن ترى التفاؤل والأمل يغمر وجوه السعداء فتراهم مبتسمون دائما يحبون الناس، وتكون مخالطتهم جميلة فهم ينشرون الأمل والبسمة على وجوه كل من يمرون به, وهم يتكلمون بثقة, عمليين لا يضيعون وقت العمل, انتاجيتهم عالية, لا يشعرون ولا ينشرون التشاؤم بل الأمل والفرح في المكان الذي يتواجدون فيه..
أما تأثيرات السعادة على الانسان فتشمل جميع الجوانب الحياتية: فمنها التأثيرات الجسدية والنفسية والاجتماعية والروحية والعقائدية وكلها تحتاج الى حقائق علمية مثبتة في بحوث علمية, ولكن نتكلم هنا عنها من خلال الخبرة والتجربة بغض النظر عن تأثيرها على النواقل العصبية (Neurotransmitters) الموجودة في الدماغ من زيادة ونقصان، وما هو تأثير كلا الحالتين لأنها تحتاج الى احصائيات علمية دقيقة.
فأنت ترى الشخص الحزين بطيء الحركة وليس لديه طاقة على العمل فضلا عن مشاكل الهضم والمعدة، والمشاكل النفسية من قبيل الشعور بالتشاؤم والقلق مقابل السعادة وهو الشعور الذي يجر وراءه الكثير من المشاكل مثل عدم الثقة بالآخرين أو بالمستقبل، والذي يؤثر سلبا في مستوى انتاجية الفرد وطريقة اختيار العمل المفيد له وللمجتمع وثقته في نفسه وأنه يقدم خدمة للآخرين أم لا.
أما الجوانب الروحية والعقائدية فكلما شعر الانسان بالسعادة كان اكثر تركيزا ونقاءا إذ انه يشعر بالسعادة عند ممارسة شعائره الروحية، والتي تزيد من شعوره بالسعادة من جهة اخرى. والحسود مثلا لا يمكن أن تراه سعيدا يوما ما لأن من حاجاته حسب قانون الحاجات هي أن تزول نعمة الغير وهذا ما لا يتحقق ابدا فيبقى بشعور من الألم والحزن الذي هو عكس الشعور بالسعادة.
من كل ما تقدم نخلص الى أن السعادة مفهوم فلسفي معقد ومتشعب الأبعاد لا يمكن الإلمام به بهذه العجالة وخصوصا الجوانب التي تحتاج أدلة علمية مستندة على بحوث تجريبية فالخوض فيها دون أدلة يعتبر أمر عبثي يفتقر الى المنهج العلمي, والذي بين أيدينا فقط هي ثوابت نظرية استلهمناها من الخبرة والتجربة الشخصية حيث إنك تستطيع أن تكتشف أسرار السعادة عندما تنصت الى أحاسيسك وتقرأ أسرار نفسك عند لحظات السعادة وهذا كفيل بأن يكون خير معلم يدلك على معنى السعادة.
كلمة اخيرة، بين هذا وذاك نتوصل الى أن مفهوم السعادة نسبي يختلف من شخص لآخر (الحياة باختصار شروق الشمس وغروبها ما أجمل ان تجعل الشروق للبسمة والعمل والغروب للراحة والهدوء).
ولتكن السعادة وسيلة لتحقيق الأهداف والطموحات، فلا حزن يدوم ولا سعادة تدوم هذا حال الدنيا فيها الجميل وفيها القبيح، والانسان الحقيقي هو الذي يتعلم من دروس الحياة ويعيش حياته بسعادة ليقدم الجميل والمميز لذاته وللمجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات