في شهر محرم الحرام الذي حُرم فيه القتال وجُعل له حرمة في الاسلام لحكمة من رب العزة الجبار هناك ثُلة من أمة أطلق عليهم مسلمين، ادَّعوا الاسلام ولم يفقهوا منه شيئاً بل لم ينتموا إليه يوماً، "يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم".
أي إسلام نُسبوا إليه وهم خالفوا نهجه وتعدوا على حرمته، أي إسلام ادّعوه وهم لم يُراعوا حرمة نبي الإسلام، ألم يُحرم ابتداء القتال في شهر محرم الحرام، ألم يوصي الرسول بأهل بيته، ألم يُقر ذلك سبحانه ويطالب الأمة به في الآيات المباركة: "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى".
فهل من المودة أن تخرج الجيوش وتسل سيوفها بوجه ابن بنت نبيها ريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وسبطه سيد شباب أهل الجنة الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام.
أبَعدَ كُل ما اوصى به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبيَّن مقامهم العظيم لدى الله سبحانه، أبَعدَ ما بيَّن مدى قُربهم إليه ومحبته لهم، ألم يقُل: "الحسن والحسين امامان إن قاما وان قعدا".
فمولانا الحسن عليه السلام قد اشترط الشروط ووقع المعاهدة مع معاوية حقناً لدماء المسلمين ولإلقاء الحجة عليهم بعدما خذلوه، وكان من شروطه أن يسلم الأمر للحسين عليه السلام من بعده ولا يتأمر يزيد الفاسق الجاهل، فخالف معاوية كل الشروط ولم يوفِ بالعهد، فكان للحسين (عليه السلام) أن يثور ولولا ثورته ضد طغيانهم وفسادهم لما بقي للاسلام ذكر، وقد أشار لذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "حسين مني وأنا من حسين" فلولا الحسين سلام الله عليه لطمسوا ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لذا فالإسلام محمدي الوجود، حسيني البقاء.
وقد بين سوءهم رسول الله بأحاديثه الشريفة حيث قال: "ان معاوية في تابوت من نار في أسفل درك منها.." تاريخ الطبري: 11/246.
ويذكر الاستاذ عبد الله العلايلي في كتابه سمو المعنى في سمو الذات: (... إن تربية يزيد لم تكن إسلامية خالصة، ... فلم يبقَ ما يستغرب منه أن يكون متجاوزاً مستهتراً، مستخفاً بما عليه الجماعة الاسلامية، لا يحسب لتقاليدها واعتقاداتها أي حساب، ولا يقيم لها وزناً..).
فهذا يزيد ابن آكلة الأكباد تاريخه مملوء بالمساوىء والمخازي تجرأ هو ومن معه على ابن بنت رسول أمة الاسلام ومنقذها من الضلال.
عجباً لهكذا أمة لم تراعي حرمة نبيها ولم تُحركها انسانيتها. نعم فحتى انسانيتهم طُمست وأصبحوا وحوشاً لا تملك احساساً ولا رحمة ولا وعي.
فأي قلبٍ يتجرأ على ذبح طفل رضيع، آه آه أي مصيبة عاشها ريحانة المصطفى، أخرج أَبُو سعد فِي شرف النُّبُوَّة وَابْن الْمثنى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَآله وسلم قَالَ (يَا فَاطِمَة إِن الله يغْضب لغضبك ويرضى لرضاك).
فَمن آذَى أحداً من وَلَدهَا فقد تعرض لهَذَا الْخطر الْعَظِيم لِأَنَّهُ أغضبها وَمن أحبهم فقد تعرض لرضاها.
وها هي الكتب عند جميع الطوائف، تنقل وتبين غضب الإله حيث نقل سبط ابْن الْجَوْزِيّ عَن السّديّ أَنه أَضَافَهُ رجل بكربلاء فتذاكروا أَنه وحبابنا وجرارنا مملوءه دَماً وَفِي رِوَايَة أَنه مطر كَالدَّمِ على الْبيُوت والجدر بخراسان وَالشَّام والكوفة وَأَنه لما جِيءَ بِرَأْس الْحُسَيْن إِلَى دَار زِيَاد سَأَلت حيطانها دَمًا
وَأخرج الثَّعْلَبِيّ أَن السَّمَاء بَكت وبكاؤها حمرتها وَقَالَ غَيره احْمَرَّتْ آفَاق السَّمَاء سِتَّة أشهر بعد قَتله ثمَّ لَا زَالَت الْحمرَة ترى بعد ذَلِك وَأَن ابْن سِيرِين قَالَ أخبرنَا أَن الْحمرَة لم تَرَ فِي السَّمَاء قبل قَتله،
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وحكمته أَن غضبنا يُؤثر حمرَة الْوَجْه وَالْحق منزه عَن الجسمية فأظهر تَأْثِير غَضَبه على من قتل الْحُسَيْن بحمرة الْأُفق إِظْهَارًا لعظم الْجِنَايَة.... المصدر/ الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي، ج2، ص570.
فحتى الجمادات أبدت الحزن لمقتل ابن نبي الأمة حبيب الله ورسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
فكيف بمن يحمل قلب ويعي عُظم المصيبة، أيُ حزنٍ يعيش وأيُ عزاءٍ يُقيم، فحتى لو زهقت الأرواح حزناً على ما جرى على آل الرسول صلى الله عليه وعلى عترته الطاهرة فلم نوفِ حقهم.
ساعد الله قلبك سيدي يا من تندبه صباحاً ومساءاً ويامن تبكي عليه دماً.
اضافةتعليق
التعليقات