إنّ العادات السيئة من أخطر سلوكيات الإنسان، إذ أنها تمنعه من التقدم والكمال، فالمبتلى بكثرة الأكل والنوم تفوته الكثير من فرص النجاح، والمبتلى بعادة الكذب يفقد ثقة الناس والمبتلى بعادة التسويف لا يحقق طموحاته.
بل أنّ الإنسان قد يصير عبداً لعاداته، فالمدمن على المخدرات يصير عبداً لها.
في الحديث عن الإمام علي عليه السلام: "العادات قاهرات، فمن اعتاد شيئاً في سرّه وخلواته فضحه في علانيته وعند الملأ".
من اجل ذلك كان تغيير العادات من أفضل العبادات، فعن الإمام علي عليه السلام: "أفضل العبادة غلبة العادة".
كيف نغيّر العادات؟
إنّ تغيير العادات يتطلب عدة أمور:
1-الإلتفات إلى خطورتها.
2-مجاهدة النفس: فإنّ التكرار المستمر لعمل معين يصبح سلوكاً ثابتاً في شخصية الإنسان وتغييره ليس بالشيء السهل.
عن الإمام علي عليه السلام: "ذروة الغايات لا ينالها إلا ذو التهذيب والمجاهدات". وعنه عليه السلام: "غالبوا أنفسكم على ترك العادات وجاهدوا أهواءكم تملكوها".
3-المبادرة للتغيير: فإنّ التسويف والتأخير والتعلّل بالأعذار يجذّر العادات في النفوس فيصعب تغييره كحال المريض الذي يؤخر علاج مرضه حتى يشتد ويقضي عليه.
ومن هنا كان من الضروري الإسراع للتغيير في فترة الشباب لأن العادات إذا تجذرت في النفس صعب تغييرها، ولذا قال الإمام علي عليه السلام لولده الإمام الحسن عليه السلام: "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك".
4-استبدال العادات السيئة بالعادات الحسنة، فكما أن للعادات السيئة مراحل في السلوك حتى تصير عادة وملكة في النفس، فإنّ للعادات الحسنة مراحل كذلك وقد يستصعب الإنسان فعل الخير في المرحلة الأولى لكنه إن كرر فعله يتحول إلى عادة، فتارك الصلاة يشعر بثقل عندما يصلي للمرة الأولى لكنه إذا اعتاد على ذلك تتحول الصلاة إلى عادة يستصعب تركها.
عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – : "تكلفوا فعل الخير، وجاهدوا نفوسكم عليه، فإنّ الشر مطبوع عليه الإنسان".
عن الإمام علي عليه السلام: "غيّروا العادات تسهل عليكم الطاعات". وعنه عليه السلام: "تخيّر لنفسك من كل خلق أحسنه فإنّ الخير عادة".
إن المشكلة لدى أكثر الناس أنهم حينما ينتبهون إلى أنفسهم يجدون أنهم مقيدون بعادات سيئة.
فمثلاً، لأننا نبدأ حياتنا من الطفولة، والطفولة ليست منضبطة، فنحن نكبر غير منضبطين.
ولما نكبر نتساءل، كيف نغيّر من عادة عدم الانضباط؟
والمشكلة في تغيير العادة أنه غالباً ما يتأتى الإخفاق من محاولة المرء تغيير عادة سيئة بتركيزه على التصرف غير المرغوب فيه بدلاً من التركيز على تصرف جديد لإبدال الأول.
كثيرون هم الأشخاص الذين يقولون أنهم يودّون أن يتناولوا طعاماً سليماً لكنهم لا يريدون "التخلي" عن الأطعمة اللذيذة. فبدلاً من أن يفكروا في ما لايمكنهم الحصول عليه، يجدر بهم أن يفكروا في ما يستطيعون تناوله.
تغيير العادات القديمة ليس بالأمر اليسير، ولكنه ممكن. وهذا بحاجة إلى أن نركز على الجانب الإيجابي من فوائد تغيير العادة إلى ما هو ضدها بدل التركيز على مضار العادة الموجودة.
تغيير الإدمان:
إنّ الإدمان على شيء سلبي يُسبب للإنسان آثاراً خطيرة على المستوى الجسدي والنفسي والروحي.
ولا نقصد بالإدمان ما هو المعروف من الإدمان على المخدرات بل أنه شامل للإدمان على الحزن والخوف والإحباط واليأس والنكد وغير ذلك من الصفات النفسية السلبية. وهي صفات لا تقل خطورة عن الإدمان لأنها تؤدي إلى الموت المعنوي ثم الجسدي.
وعلاج الإدمان هو تغيير ما اعتاد عليه، ولكي يستطيع الإنسان تغيير العادات لا بد أن يعرف كيفية تكوين العادات ليستطيع تغييرها.
ولكي تتكون العادات يمر الإنسان بعدة مراحل:
أ-التفكير: في هذه المرحلة يفكر الشخص في الشيء ويعطيه انتباهه ويركز عليه وقد يكون ذلك بسبب فضوله أو أهميته بالنسبة له.
ب-التسجيل: بمجرد أن يفكر الإنسان في شيء يسجله المخ ويفتح له ملفاً من نفس نوع الفكرة، ويربطها بجميع الملفات الأخرى التي هي من نفس نوعها أو قد تكون مفيدة لها. والتسجيل هو المرحلة البسيطة التي يستطيع الإنسان أن يبتعد عنها ويغلق الملف لو أراد ذلك.
ت-التكرار: في هذه المرحلة يقرر الشخص أن يكرر نفس السلوك وبنفس الأحاسيس، فيدخن مرة أخرى أو يشرب الخمر مرة أخرى أو يشاهد التلفاز لساعات طويلة بدون هدف محدد أو يأكل وهو غير جائع أو أي شيء سواء كان ذلك إيجابياً أو سلبياً.
ث-التخزين: بسبب تكرار التسجيل تصبح الفكرة أقوى فيخزنه العقل بعمق في ملفاته ويضعها أمامك كلما واجهت موقفاً من نفس النوع، وإذا أراد الشخص أن يتخلص من السلوك سيجد صعوبة أكبر لأنها مخزنة بعمق في ملفات العقل الباطن.
اضافةتعليق
التعليقات