مما لاشك فيه للمرأة دور بارز وكبير في مجالات العمل الوظيفي المختلفة وفي شغل المناصب الهامة والحساسة في السلك الثقافي والاجتماعي والسياسي فضلا عن دورها ومكانها المفصلي في مؤسسة الأسرة كزوجة وأُم، وقد اثبتت التجارب العملية جدارة المرأة في الكثير من الاعمال والمسؤوليات التي تتولاها، وفي السطور الآتية نقدم ثلاث تجارب لثلاثة نساء عرضها موقع (bbc) وتحدثوا فيها عن قصصهم وتجربتهم في عملهم اليومي والتحديات التي واجهتهم، وكيف تعاملوا مع الصعوبات وتغلبوا على العراقيل التي تعترض الناجح في الحياة.
"جيسكا" تتغلب على مرضها النفسي بتقديم المساعدة للآخرين
كانت جيسكا تتدرج في السلم الوظيفي بسرعة كبيرة قبل أن تصاب بمرض نفسي. فبعد ولادة الطفل الأول، أصيبت بمشكلة في غدتها الدرقية فاقمت من المشكلة التي كانت تعاني منها بالفعل والمتمثلة في "اضطراب القلق".
تقول جيسكا (36 عاما)، من العاصمة الأسترالية كانبيرا: "أعاني من القلق المرضي طوال حياتي، لكن مرض الغدة الدرقية جعل هذا القلق يخرج عن السيطرة".
كان ذلك عام 2012، وقررت جيسكا العودة إلى عملها قبل موعد العودة المقرر بعد الإجازة، بعد أن اتفقت مع طبيبها على أن العودة للعمل الذي تحبه ستمكنها من التركيز وربما تخفف شعورها بالقلق.
لكن جيسكا التي كان عليها البوح بمشكلتها النفسية للمؤسسة التي تعمل بها حتى تعمل في أوقات تناسبها، تقول إن مديريها وزملاءها بدأوا في إبداء ملاحظات سلبية عن قدراتها، وبالتالي بدأوا يستبعدونها من المشروعات التي تنفذها المؤسسة. وتقول عن ذلك: "لم تتحسن حالتي بسبب الطريقة التي عوملت بها".
وتضيف جيسكا، التي كانت مسئولة في السابق عن 17 موظفا، إنها شعرت بخيبة أمل وعدم تقدير.
لكن هذه التجربة السيئة كان لها أثر إيجابي، فقد جعلت جيسكا تصمم على مساعدة الآخرين من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون من مشكلات عقلية أو حركية، وفكرت في إنشاء مشروع متخصص في ذلك.
وتقول: "عرفت أنه يجب القيام بشيء ما تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحتاجون لبعض المرونة من قبل جهات العمل". وبناء على ذلك، قررت جيسكا أن تستقيل من عملها الحكومي وتؤسس شركة أطلقت عليها اسم "إنيبلد إمبلويمنت" (التمكين من العمل) لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة على إيجاد وظائف.
وتساعد الشركة، التي تتخذ من كانبيرا مقرا لها، الآلاف من ذوي الاحتياجات الخاصة على إيجاد عمل في أكثر من 400 شركة ومؤسسة في أستراليا، بما في ذلك شركة المحاسبة العملاقة "برايس ووتر هاوس كوبرس"، وشركة "أوبر" لسيارات الأجرة، وحتى في القوات المسلحة الأسترالية.
ولمساعدة شركتها على التقدم والانطلاق، نجحت جيسكا في الحصول على منحة صغيرة لتنظيم الأعمال من حكومة العاصمة الأسترالية.
وكانت جيسكا قد تركت وظيفتها الحكومية في أحد أيام الجمعة من شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2012، وبدأت تعمل في شركتها الخاصة في يوم الإثنين التالي، بمساعدة ودعم من مبادرة محلية ناشئة يطلق عليها اسم "غريفين أكسيلاريتر". وبدأ عدد الشركات والأشخاص الذين يستفيدون من شركة "التمكين من العمل" في الزيادة.
وتؤكد جيسكا على أن الشركة ليست مؤسسة خيرية، لكنها شركة هادفة للربح. وتعتقد أن المؤسسات الخيرية التي تدفع للشركات لكي توظف ذوي الاحتياجات الخاصة يمكن أن تعزز فكرة سلبية مسبقة عن هؤلاء العمال.
وتقول: "هذا يقلل من قيمة ذوي الاحتياجات الخاصة والذين يؤدون عملهم على أكمل وجه. لا نريد لأحد أن يشعر وكأننا نقوم بما تقوم به الجمعيات الخيرية."
وتقدر قيمة مؤسسة "التمكين من العمل" بأكثر من ستة ملايين دولار أسترالي (4.6 مليون دولار أمريكي)، وتوسعت في خدماتها لتشمل المحاربين القدامى والأستراليين الأصليين.
وقد فازت الشركة وجيسكا بعدد من الجوائز في أستراليا، بما في ذلك جائزة الشركات الناشئة لعام 2015، والجائزة الوطنية لإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع.
وتقول جيسكا إنها تخطط لتوسيع الشركة في أستراليا قبل التفكير في نقلها إلى أماكن أخرى في الخارج. ولكن حالياً، تقول إنها "أسعد من أي وقت مضى"، وتضيف: "مازلت أعاني من القلق. فهو مرض لا يزول، لكن بالتأكيد يمكنني التعايش معه بفضل المرونة التي لدينا في الشركة".
"اليان" تواجه مشكلة قلة راتب التقاعد الخاص بها وفي سياق متصل، تضاعفت نسبة النساء اللواتي يواصلن العمل وهن في السبعينات من العمر في بريطانيا في السنوات الأربع الأخيرة.
وكشف تحليل لبيانات رسمية أن 5.6 في المئة فقط من النساء توقفن عن العمل بعد بلوغهن سن السبعين في عام 2012، وارتفعت هذه النسبة إلى 11.3 في المئة في عام 2016.
ويعد القلق من تدني مدخول راتب التقاعد والرغبة في إنجاز مشاريع من الأسباب حملت النساء على البقاء في العمل حتى سن متقدم.
وأفاد التحليل أن 15.5 في المئة من الرجال توقفوا عن العمل وهم في السبعينات من العمر في عام 2016.
ويقدر وجود نحو 150 ألف امرأة ما زلن في سوق العمل في بريطانيا وهن في بداية السبعين من عمرهن.
ومن بينهن آن غرين التي تدير محلاً لبيع الأقمشة في سوق في بريستول، إذ تقول إن "سبب بقائها في سوق العمل يعود إلى خشيتها من تدني نسبة ما ستتقاضاه من راتب تقاعدي".
وأضافت غرين "لقد استثمرنا أموالنا في هذا العمل وفي شراء شقة لنشعر أننا بمأمن عندما نتقدم في العمر"، مشيرة إلى أن حياتها ستتغير بالطبع في حال توقفت عن العمل وستكون بالفعل صعبة.
وتقول إليان ويستون (74 عاما) التي كانت تشغل وظيفة عاملة اجتماعية، إنها من اللواتي لم يحصلن على راتب التقاعد الكامل.
وتضيف أن" البقاء في إطار العمل يمنح النساء فرصة لإبقاء عقولهن وأنفسهن في حالة من النشاط، الأمر الذي ينعكس عليهن بصورة إيجابية فيبدون أصغر سناً"، مشيرة إلى أن "الكثيرين يتحدثون عن أن المتقاعدين أثرياء، إلا أن العديد منهم ليسوا كذلك".
وقال ناثان لونغ، كبير الخبراء المختصين بالتقاعد، إن "زيادة عدد الأشخاص الذين يبقون في سوق العمل حتى ما بعد بلوغهم سن السبعين، يعد اختياراً فردياً".
وأضاف "يجب تشجيع الموظفين على العمل ما داموا يريدون ذلك"، مشيراً إلى أنه نتيجة لزيادة الضغط على نظام التقاعد فإن أيام الحصول على تقاعد مبكر ولت للأسف".
وفي بداية هذا العام، تقدمت الحكومة البريطانية باستراتيجية جديدة تهدف إلى تشجيع من هم فوق الخمسين بالبدء بمهنة جديدة للبقاء في سوق العمل مدة أطول.
"ياسامان" تسافر 135 ألف ميل للعمل كل عام
أما ياسامان حاجيباشا فهي تقضي أسبوعين من كل شهر في السفر لقارات عديدة إنطلاقاً من مكان إقامتها في جنوب أفريقيا، في إطار جدول أعمال مزدحم لكنه يمنحها رؤى فريدة للعالم من حولها.
ستسافر ياسامان حاجيباشا طوال النصف الأول من هذا العام لمدة 26 ساعة ذهاباً كل شهر. وهذه فقط رحلة واحدة يتعين عليها القيام بها والتي تقطع خلالها ما مجموعه 135 ألف ميل في كل عام.
نظرا لمنصبها كمسؤولة عن قسم الإبداع في مجموعة باركليز المصرفية في أفريقيا، ينبغي على حاجيباشا أن تسافر كثيراً من مكان إقامتها في جوهانسبيرغ بجنوب أفريقيا إلى أماكن وبلدان عديدة في القارة السمراء لتلتقي بأعضاء فريقها وعقد لقاءات للتفاعل مع العاملين في نفس المجال.
ولكن في هذا العام، أصبحت حاجيباشا، البالغة من العمر 34 عاماً، واحدة من 60 مهنياً سيكونون جزءاً من "البرنامج الرئاسي السنوي لخبراء القيادة"، وستلتقي رؤساء أمريكيين سابقين من بينهم بيل كلنتون وجورج دبليو بوش في إطار برنامج نخبوي يهدف إلى طرح رؤى مختلفة للقيادة ويساعد في تعزيز الروابط على مستوى قادة الأعمال.
تقول حاجيباشا: "ألتقي أناسا لا يجمعني بهم أي شيء في الحياة العادية. الابتكار في الحياة المعاصرة على مستوى العالم يعتمد على التعاون على مستوى البقاع الجغرافية والعرقيات المختلفة. ينبغي أن يصل المرء إلى تلك الأنحاء واستكشافها".
التحدي الأكبر الذي تواجهه في الوقت الراهن هو ترويج الابتكار في جزء من العالم معروف بأنه يرزح تحت وطأة بعض من أسوأ الأزمات الإنسانية بما في ذلك الفقر والمرض والمجاعة.
ومن أجل القيام بذلك تحاول حاجيباشا الاستفادة من الدروس التي تعلمتها في أماكن مثل لندن وسان فرانسيسكو مثل أهمية العمل الجماعي والتعاون بين الشركات المختلفة وتطبيقها في المنطقة، وهو دور ليس سهلاً لمواطنة عالمية تتطلع إلى التأثير على الواقع المحلي.
ويعني ذلك أن حاجيباشا التي تخرجت من كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد تقضي معظم الوقت في مساعيها لمد جسور التواصل خلال المؤتمرات الدولية مع مجموعة من الناس والشركات العاملة في نفس المجال مستغلة الفرص التي تُتاح للمتحدثين الضيوف من أجل أن تغرس وجودها في قارة تتحول بسرعة إلى مركز للنمو.
وتقول: "لقد تعلمت أن أكون مرنة جداً في كيفية التعامل مع الناس. لا يوجد طريقة صحيحة واحدة أو طريقة خاطئة".
ولدت حاجيباشا في إيران وتربت في ألمانيا وتعلمت في الولايات المتحدة وقضت معظم أيام عملها الأولى في لندن وانتقلت إلى جوهانسبيرغ قبل عامين. ولكونها مغتربة تشعر حاجيباشا أن لها وجهة نظر تختلف عن غالبية الناس عندما تعمل في بيئات جديدة. وتقول: "السفر حول العالم بالنسبة لي يُتيح لي طريقة جديدة في رؤية الأمور، وليس مجرد الذهاب إلى مكان جديد".
ورغم أنه لا يمكن توقع جدولها، فإن حاجيباشا تسافر لمدة أسبوعين على الأقل في كل شهر. وخلال فترة السفر تبدأ يومها برياضة الركض في السابعة صباحاً وتبدأ عملها الساعة الثامنة والنصف وتنتهي بعد 12 ساعة بتناول العشاء والمشروبات. وفي أغلب الأوقات تختار حاجيباشا الإقامة في فنادق تتوفر فيها صالات للياقة البدنية حيث يمكنها أن تمارس الركض أثناء فترة السفر. وتقول في هذا السياق: "ممارسة الرياضة بالنسبة لي بمثابة العلاج".
يستغرق إعداد حقيبتها للسفر دقائق معدودة لأنها تعلمت كيف تعيش بالقليل من المقتنيات. وهذا يعني أن أدوات النظافة الشخصية الخاصة بها تبقى داخل الحقيبة بين رحلة السفر والأخرى، وأنها تسافر بملابس بلونين أو ثلاثة ألوان داكنة يمكنها المزاوجة والتوفيق بينها عند ارتدائها.
تسافر حاجيباشا إلى مؤتمرات في مجالات مختلفة حول العالم إما كمُتحدثة أو مُحكمة، ووجهتها القادمة هي ميدنة بورتو في البرتغال وكذلك رواندا.
وعلى الرغم من أن حضور المؤتمرات ليس أمراً إلزامياً لها ويتطلب بناء علاقات اجتماعية مع الآخرين، فإنها تقول إن جميع رحلاتها تتعلق بالعمل.
اضافةتعليق
التعليقات