ضمن أجواء معطّرة ببركات مولى الموحدين أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) نظّمت جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية محاضرة ثقافية مع العلوية أم سيد مهدي الشيرازي في النجف الأشرف.
استهلّت العلوية كلامها بقول الإمام الباقر (صلوات الله عليه): "من دعا الله فينا أفلح ومن دعا بغيرنا هلك واستهلك".
ثمّ أردفت: نذكر في بداية الجلسة تجربة حيوان يعيش داخل الصدف ويُسمى بالمحار، ونستلهم منه عدة دروس، هذا الحيوان يمتلك خصوصية، وهي أنه يملك الكثير من الأعداء خصوصا سرطان البحر الذي يريد أن يلتهم هذا الحيوان، فلذلك هذا الصدف حمايةً للحيوان الذي يعيش بداخله وهو المحار، ماذا يفعل؟ دائماً تُبقي الصدفة فمها مغلقا حتى لا يأكل السرطان هذا المحار.
ولكن في بعض الأحيان يحدث أن تدخل ذرة رمل أو ماء داخل هذه الصدفة فهذا المحار حماية لنفسه، ماذا يصنع؟، يفرز بسرعة مواد كربونات الكالسيوم، بالنتيجة وبعد مدة هذه الذرة تتحول وتتبدل إلى لؤلؤ، وهذا اللؤلؤ يعتبر من أثمن الأشياء في العالم.
توجد خصوصية أخرى وهي إن هذه الصدفة في الشهر مرة واحدة عندما تريد أن تستنشق الهواء تفتح فمها، وفي نفس الوقت وفي هذه الثانية الواحدة، سرطان البحر ينتهز الفرصة بسرعة ويرمي بصخرة نحو هذا الصدف، ويأتي ليلتهم هذا المحار المسكين.
من هذا المثال الذي أوردناه نريد أن نستنتج نتيجتين من زاويتين مختلفتين، تارةً نضع أنفسنا بدل سرطان البحر، وتارةً بدل الصدف.
في مثال سرطان البحر نستلهم انتهاز الفرصة، لا أقول أنا لدي وقت لأنام وبعد قليل سأقوم بالعمل، بهذه الثانية ينبغي أن لا أفكر بأي شيء آخر بل أنظر إلى هدفي، ربما نقول نحن قد سمعنا كثيراً هذا الشيء من قبيل عدم التأجيل والتسويف وغيرها، لكن يا ترى ماهي الطريقة لانتهاز الفرص، ما هي التطبيقات العملية لانتهاز الفرص.
هناك مبدأ إذا طبّقه الإنسان سيساعده في انتهاز الفرص في حياته، ألا وهو مبدأ (كايزن).
ماهو مبدأ كايزن؟
مثلما نعرف اليابانيون متقدمون جدا في الصناعة والعلم، وهناك شركة لابد أنكم تعرفونها وهي شركة (تويوتا) للسيارات المعروفة، كانت هذه الشركة مبيعاتها جدا قليلة في بادئ الأمر، وكانت الشركة الواحدة تبيع 20 ألف سيارة، ويعتبر هذا المبلغ قليلاً، عقدت الشركة جلسات استشارية وفكروا بطرق لكي تُنجح الأمر ولازدياد المبيعات، وتوصلوا إلى استعمال مبدأ كايزن، وهو: (التحسين البطئ لكن المستمر).
مثلاً قالوا سنركز في الشهر الأول على الكراسي ومقاعد السيارة، ونجعلها أكثر راحة، أو الصوت نقلل من درجته والإزعاج يكون أقل، وهكذا هلّم جراً، وفي الشهر الواحد نطبق هذا القانون، هذه الخطوة الأولى التي اتخذوها.
أما الخطوة الثانية، ذهبوا إلى كادر الشركة وسألوهم عن السيارة المثالية بالنسبة لهم، وإذا دخلتم للسيارة ماذا تظنون أهم وسائل الراحة فيها، وسمعوا الآراء وجمعوها عبر هذا القانون وهو: التحسين البطيء المستمر.
وبعد سنة واحدة وصلت المبيعات إلى 10 مليون، يعني من 20 ألف إلى هذا الرقم العالي!.
إذن مبدأ كايزن هو الذي يجعل الإنسان يتقدم في الحياة، هذا المبدأ نستطيع أن نطبقه في أربعة أمور من حياتنا:
أولاً: المهارات
مثلاً في فن الخطابة، التأليف، عادةً الإنسان بعد مدة وبعد أن يصل لمرحلة ما يتوقف، لذلك ينبغي أن يستخدم هذا المبدأ ويسأل نفسه: ماهي الاشكالات الموجودة في الخطابة، قد يتكلم بسرعة مثلاً، فقليلا قليلا يحاول أن يتكلم ببطئ أكثر، أو مثلاً في هذا الشهر سأعمل على اللحن، أو في هذا الشهر أعمل على تلعثم الكلام، فبدلاً أن يكون خطيباً جيداً يكون الخطيب رقم واحد في الدولة.
ثانياً: المنتجات
قد يكون للإنسان منتجات في حياته، في هذا المنتج ينبغي أن يطور خصوصية واحدة فيه.
ثالثاً: الملكات الإنسانية
هناك ملكات سلبية وملكات ايجابية، مثلا قد يكون لدى انسان ملكة البخل أو الحسد، فهذا الإنسان لن يستطيع في خلال شهر واحد أن يتبدل كلياً من الحسد إلى عدم الحسد، فماذا يفعل، في هذا الشهر يحاول إن يكون بدل الحسد عشر مرات، يصبح 9 مرات، وهذا هو التحسين البطيئ المستمر في الملكات.
رابعاً: الجانب الروحي
سنذكر قصة تدور حول (زازان)، وكان يملك صوتاً جميلاً ولكن المشكلة أنه كان مغنياً، وكان يجوب الشوارع ويغني، في أحد المرات رآه أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وأخبره: يا زازان أنت تملك صوتاً جميلا، ألا تأتي وتقرأ القرآن، ألا تريد أن تستخدم صوتك الراقي في التلاوة.
أجابه زازان: يا أمير المؤمنين أنا في الحقيقة، في عالم آخر غير عالمكم، ولا أجيد قراءة القرآن، فلن أستطيع ذلك.
أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) اقترب إلى أذنه وقال له شيئاً سراً ولم يسمعه أحداً، في اليوم التالي رأى الناس زازان وهو يمشي في الشوارع ويتلو القرآن بصوتٍ شجيٍ جميل، استغرب الجميع هذا التحول، بعد ذلك قال زازان قصته.
في شوارع المدينة رأيتُ أمير المؤمنين (عليه السلام) يمشي بين الأزقة، تارة يرى أحدا وقد انقطع شسع نعله فيذهب الإمام وينحني ليربط الشسع، ثم يرى حمّالاً وهو يحمل أشياء ثقيلة ويذهب لمساعدته في حمل أغراضه، ثم يمشي ليرى من أضاع طريقه ليدّله على الطريق.
هنا يقول زازان، اقتربت من أمير المؤمنين، وإذا به يتلو هذه الآية المباركة، "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فسادا".
النتيجة التي نريد أن نأخذها من هذه القصة، بأن الإنسان عليه أن يملك تحسيناً مستمراً بطيئاً في حياته من الجانب الروحي، لنرى قصص أهل البيت ونرى كيف كان تعاملهم، بنفس الوقت نحاول أن نطبق ما قرأناه، لذلك من الضروري أن يطبق الإنسان هذا القانون في حياته.
هناك رواية تقول أن الله يباهي ملائكته بالعبد التائب، ويقول لهم انظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي.
يعني انظروا مثلا إذا كان والدينا أو المجتمع يفتخرون بنا ، فكم سنفرح بذلك، وهنا الله سبحانه وتعالى يباهي بهذا العبد.
وهناك رواية أخرى، يقول الله سبحانه وتعالى: وأنا معه - يعني مع العبد - فإن ذكرني في نفسه، ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرّب إليّ شبراً تقربتُ منه ذراعاً، وإن تقرب مني ذراعاً، تقربتُ منه باعاً.
وهذا هو المصداق الرابع الذي يجب على الإنسان أن يحاول التحسين المستمر البطيئ فيه.
هذا ما يخص النتيجة الأولى، ومثاله سرطان البحر وانتهاز الفرص.
أما النتيجة الثانية، وهي أنه قد كانت توجد خصوصية في المحار، وهي: (تبديل الشيء العادي إلى شيئ ذو قيمة)، فعندما دخلت الذرة إلى فم الصدف، فكر الصدف بأن هذا عدو لي، لكن لم يكن يعلم أن هذا الشيء الذي ظنه عدواً سيتحول إلى لؤلؤة وجوهرة.
تارة الانسان في حياته يرى الكثير من الأمور ويظنها عدوة له، مثلاً المشاكل والصعاب في الحياة نرى أنها عدو لنا، لذلك نحاول أن نُبعد المشاكل من حياتنا، ونُبعد الحزن، فلا أحد يحب أن يكون حزيناً، هذا نحسبه ونظنه عدو لنا، ولكن في الحقيقة هؤلاء الأعداء أو ما نظنه ذلك هي لآلئ في حياتنا، ونحن نستطيع أن نبدّل هذه المشاكل إلى جواهر، باعتبار شيئين:
أولاً: الجانب المادي
كان هناك شخص أحب أن يشتري أرضاً ويصبح تاجراً في المزارع، جاء وجاهد لكي يستطيع أن يشتري أرضاً ومزرعة، أتى صباحاً بالمعول ووضعه في التراب، وخرجت من التراب أفعى في المرة الثانية حفر وظهر عقرباً، في المرة الثالثة والرابعة توالى ظهور الأفعى والعقرب، أصيب بإحباط واكتئاب شديد لأيام عديدة، لأنه لن ينجح في تأسيس المزرعة، بعدئذ فكر مع نفسه، وقال إلى متى سأبقى هكذا، لأقوم وأحل هذه المشكلة، وفكر كيف سيحول هذا التهديد أو العدو إلى لؤلؤة، فخطر بباله أنه في هذا البلد لم يكن هناك معرض خاص للأفاعي والعقارب، وهكذا تحول المكان إلى هذا المعرض ومن كل البلاد جاؤوا لزيارة هذا المكان السياحي، ولم يكتفِ بذلك بل قد حوّل السموم إلى أدوية وباعها، وأصبح تاجراً كبيراً في منطقته.
وكذلك الانسان يستطيع أن يحول الكثير من المشاكل في حياته إلى لآلئ.
ثانياً: الجانب المعنوي
في أحد المرات كان نبي الله موسى يمشي في الشارع وإذا بالمطر يهطل، رأى خيمة ودخل فيها لتكون مأمناً له من المطر، ورأى فيها امرأة، ولم يستطع لذلك الدخول إليها، بعد ذلك مشى ودخل إلى الغابة، وإذا به يرى أسداً مفترساً، ولم يستطع النبي أن يؤمن نفسه من المطر، فلذلك توجه إلى السماء وقال: يا الله أعطيت لكل شخصٍ أماناً ولم تعطي أماناً لي، (لتلك المرأة أعطيت خيمة، وللأسد المفترس غابة)، فقال الله عزّوجل: أنا تعويضاً عن هذه المشكلة، - انظروا إلى رحمة الله- أنا سآخذ لك يوم القيامة عرساً وأزوّجك مع مئة من حور العين، ووليمة لأربعة آلاف يوم، كل يوم منه من أول الدنيا إلى آخر الدنيا، وبعدئذٍ أنادي أين الزاهدون في الدنيا تعالوا إلى عرس الزاهد.
فالله سبحانه وتعالى مع مثل هذه المشكلة الصغيرة وهي المطر، كيف أعطى للنبي تعويضات في الآخرة، فكيف إذا كانت المشاكل في الحياة أصعب من ذلك، هناك مثل يقول الدنيا مثل عجلة فايروس أو دولاب هواء، فإذا كنت في يوم ما في القمة، ووهبتك الدنيا شيئاً وأعطتك لا تطمئن كل الإطمئنان ولا تغترّ لأنه يمكن أن يؤخذ منك في الجولة التالية، وإذا أخذت الدنيا منك شيئاً أيضاً لا تيأس ربما يعطيك إياهم في الجولة التالية.
فلذلك قد يرى الإنسان مثلاً حياته قبل سنة، كم كانت صعبة، وكان في همٍّ وغمٍّ، وقد يفكر هل من الممكن أن يأتي يوم ما وتُحل هذا المشكلة وأتخلص منها، ولكن يمضي الزمن وتُحل هذه المشكلة.
إذن، خلاصة الكلام أننا أخذنا نتيجتين من قصة سرطان البحر والمحار، وهي انتهاز الفرص، ومنها قانون كايزن، وأيضاً كيف نبدل العدو إلى لآلئ، سواء من الناحية المادية أو المعنوية.
اضافةتعليق
التعليقات