يخلط كثير من الناس بين أوهامهم وأحلامهم، فيظنون أنهم يسيرون في طريق عظيم بينما هم يركضون خلف سراب لا ينتهي. فبدل أن تكون لهم أحلام عظيمة تبني واقعهم، تراهم ينسجون أوهاماً عظيمة لا تزيدهم إلا خيبة وتيهاناً. وهنا تكمن خطورة الخلط بين الاثنين: فالحلم وقود للحياة، بينما الوهم قيود خفية تشدّ الإنسان إلى الفراغ.
الحلم هو صورة مستقبلية يُبنى على أساس واقعي، يمدّ صاحبه بالطاقة كي يسعى، ويمنحه معنى لرحلته. أما الوهم فهو صورة مشوهة للواقع، لا سند له من الممكنات، ولا أساس له من الجهد. الحلم يُضيء الطريق، والوهم يخدع البصر.
من السهل أن نعيش في دائرة الأوهام، لأنها لا تكلفنا جهداً. يكفي أن نتخيل دون أن نخطط، أن نتمنى دون أن نعمل، أن نُرضي أنفسنا بالحديث عما سيكون دون أن نفعل ما يجب أن يكون. بينما الحلم الحقيقي يحتاج إلى تعب، إلى مثابرة، إلى تضحية. لذلك، يختار كثيرون الأوهام لأنها أسهل وأسرع في الإشباع النفسي، لكنها أثقل وأمرّ في النتيجة.
ولعل أكبر علامة تميز بين الحلم والوهم هي: العمل. الحلم يدفعك إلى خطوات ملموسة، بينما الوهم يُبقيك في مكانك. الحالم الحقيقي يستيقظ باكراً ليخطو خطوة مهما كانت صغيرة، أما الواهم فينام مطمئناً لأنه أقنع نفسه بأنه يملك مستقبلاً عظيماً، لكنه لا يتحرك نحوه.
إن الفرق بين من يحلم ومن يتوهم يشبه الفرق بين من يرى السراب في الصحراء ومن يبني بئراً ليشرب. الأول يركض حتى يهلك، والثاني يحفر حتى يصل إلى الماء.
وهنا تأتي النصائح لمن أراد أن يحوّل أحلامه إلى حقائق، وأن ينقذ نفسه من فخ الأوهام:
1. اكتب حلمك بوضوح: ما لا يُكتب يظل فكرة عابرة. حين تكتب حلمك، تبدأ بتحويله من خيال إلى خطة.
2. قسّم حلمك إلى أهداف صغيرة: الحلم الكبير ينهار إذا حملته دفعة واحدة، أما إذا قسّمته إلى خطوات، صار ممكناً.
3. واجِه الواقع بصدق: اسأل نفسك: هل هذا الحلم قابل للتحقق ضمن إمكاناتي وظروفي؟ وإن لم يكن كذلك، كيف أعدّل فيه لأجعله واقعياً؟
4. استثمر في التعلم: الأحلام تحتاج إلى أدوات، وأدواتها تُكتسب بالعلم والتجربة. لا حلم بلا مهارة.
5. تحمل الألم والتأخير: فالحلم لا يأتي بسرعة. بين الحلم وتحقيقه صحراء طويلة تحتاج إلى صبر وإرادة.
6. ابتعد عن المقارنة: فالأوهام كثيراً ما تُغذّى بالنظر إلى ما عند الآخرين. الحلم الصادق ينطلق من داخلك لا من تقليد غيرك.
7. وازن بين الطموح والرضا: طموحك يدفعك إلى الأمام، لكن رضاك يمنعك من أن تتحول إلى عبدٍ لأهدافك.
إن أجمل ما في الإنسان أنه قادر على أن يحلم، لكن أجمل من ذلك أن يحوّل أحلامه إلى واقع. والفرق بين الحالم والواهم أن الأول يعرف أن الطريق مليء بالتحديات، فيشد رحاله ويسير، بينما الثاني يكتفي بالجلوس على قارعة الطريق يتخيل نفسه وصل.
فلنكن حالمين لا واهمين، صانعين لا متمنين. ولنسأل أنفسنا كل يوم: هل ما نسعى إليه حلم يستحق التعب، أم وهم يستهلك أعمارنا؟ عندها فقط نصبح أحراراً من خداع السراب، ونسير نحو غايات تستحق أن تُعاش من أجلها الحياة.
اضافةتعليق
التعليقات