في زمنٍ ليس ببعيد، تغيّر لون الأرض. اختفت الخضرة، وجفّت الأنهار، وغرقت السماء في غيومٍ رمادية خانقة. لم تعد الطيور تغني، ولا الأزهار تتفتح، فقد غلب الدخان على الهواء، والخراب على الجمال.
في مدينةٍ صغيرةٍ تحيط بها المصانع من كل جانب، كان يعيش آدم، شابٌّ يعمل في مصنعٍ كبير يطلق دخانه كل يوم بلا توقف. لم يكن يهتم بما حوله، وكان يقول دائمًا: "الطبيعة لا تشعر... إنها مجرد ترابٍ وشجر!"
لكن في ليلةٍ غريبة، تغيّر كل شيء؛ هبّت عاصفة هائلة لم يرَ مثلها أحد. الرياح تصرخ، والمطر يتساقط أسودَ كثيفًا كالزيت.
بدأت الأشجار تهتز بعنف، حتى خُيِّل للناس أنها تتحرك، ترفع جذورها من الأرض وتضرب الشوارع كأنها غاضبة.
وسُمع صوتٌ غريب قادمٌ من السماء يقول: "كفى أيها البشر! لقد خنقتمونا بدخانكم..."
هرب الناس، واختبأ الجميع في بيوتهم، إلا آدم. كان خائفًا، لكنه شعر أن الصوت يناديه هو بالذات، وعلى الرغم من خوفه الشديد، إلا أن فضوله كان أقوى، وانتصر في حربه النفسية.
خرج من بيته يسير بين المطر الأسود حتى وصل إلى أطراف الغابة. هناك، وسط الظلام والدخان، رأى ضوءًا أخضر خافتًا، فاقترب بحذر.
وفجأة ظهرت أمامه امرأةٌ من نورٍ وأوراق الشجر، شعرها من أغصانٍ متشابكة، وعيونها بلون السماء القديمة.
قالت بصوتٍ حزينٍ عميق:
"أنا روح الطبيعة... أنا التي أطعمَتكم وأظلّتكم وأعطتكم الحياة، فماذا فعلتم بي؟
حرقتم أرضي، وسمّمتم مياهي، وتركتم أشجاري تموت عطشًا!"
انحنى آدم بخوفٍ وندم، وقال بصوتٍ مرتجف:
"لم أكن أعلم... ظننت أن الطبيعة لا تشعر!"
ابتسمت الروح بأسى وقالت:
"الطبيعة تشعر أكثر مما تظن، وإن لم تُزرع بذرةُ الحياة في نهر الموت قبل فوات الأوان، فسينتهي كل شيء."
ناولته بيدها بذرةً صغيرةً متوهجةً بالضوء، وقالت:
"احملها إلى النهر، وازرعها، ولو كلّفك ذلك حياتك."
انطلق آدم في رحلته تحت العاصفة. كان الطريق مظلمًا، والرياح تدفعه ليسقط، لكنه واصل السير ممسكًا بالبذرة بكل قوته.
وعندما وصل إلى النهر، وجده قد تحوّل إلى مستنقعٍ أسودَ يغلي من التلوث.
تردد لحظة، ثم قال لنفسه:
"إن كنا نحن السبب في موت الأرض... فلأكن أنا البداية في محاولة إنقاذها."
قفز في النهر، وغرس البذرة بكل ما تبقى من قوته.
لحظةً واحدة... ثم أضاء النهر بنورٍ أخضرَ عظيمٍ صعد إلى السماء كالشمس، فتوقفت العاصفة، وسكنت الأرض، وساد الهدوء.
في الصباح، عندما خرج الناس من بيوتهم، رأوا شيئًا لم يروه منذ سنوات:
شجرةٌ ضخمةٌ تنبت في قلب المدينة، أوراقها تشعّ بالنور، والعصافير تدور حولها بسعادة.
اختفى الدخان، وعاد الهواء نقيًّا.
قالت امرأةٌ عجوز وهي تبكي فرحًا:
"لقد غفرت لنا الأرض... بفضل شابٍ واحدٍ أحبها بصدق."
ومنذ ذلك اليوم، صار الناس يرددون:
"من يرحم الأرض، ترحمه الحياة، فحين تغضب الطبيعة، لا ينجو أحد."


اضافةتعليق
التعليقات