الساعة الخامسة من صباح احد ايام الشتاء القارصة... النجوم غائرة... الظلام دامس... ضباب متكثف خارج حجرة المنزل... النوافذ تتصبب عرقا وكأنها منهكة من عمل مجهد...
تمسح عيناها قليلا محاولة التأكد من الوقت عله يخبئ لها خمس دقائق اخرى اضافية تكمل فيها ما تبقى من نومها في فراشها الذي وان كان اقل برودة كثيرا من خارج المنزل... لكنه ليس دافئا بما يكفي لكي يمنحها ما تبتغي من راحة..
لكن الوقت هو الوقت والساعة مسرعة وكأنها مجنونة..
ابتدأت الاصوات بالمنزل تعلو شيئا فشيئا... صرخات ابيها المنبعثة لإفاقتهم...
واصوات اواني الشاي والاطباق التي تصدر من حجرة المطبخ.
استندت على حافة النافذة ونهضت مسرعة... صلّت الفريضة.. ثم تناولت فطورها وهي واقفة واخذت عدّتها وخرجت من المنزل...
نادتها والدتها: انتظري اختك...
لكنها رفضت الانتظار مجيبة: فلتلحق بي عند "الترعة"..
ترى الى اين ذهبت فاطمة؟ وعن اي ترعة تتحدث؟ هل ذهبت الى مدرستها منذ الصباح الباكر؟ ام الى اين تذهب في هذا الوقت المبكر؟
امي اين فاطمة؟ تسال اختها عنها لتجيبها امها: سبقتك بالخروج وستنتظرك قرب الترعة.
تنادي الام خلف ابنتها: لا تتأخرا في جز الحشيش واحضاره للحيوانات.. ها قد علمنا اين تذهب فاطمة التي ستروي لنا قصتها باختصار...
اسمي فاطمة....
عمري ثلاثة عشر عاما، اعيش في كنف والديّ.. وانا ابنتهم الكبرى.
اسكن في مزرعة على اطراف المدينة...
انا في الصف الثاني المتوسط..
استيقظ مبكرا.. اجز الحشيش وأتي به طعاما لحيواناتنا ..
واحصد المحصول اليومي من الخضار والفواكه مع اختي التي تصغرني بعامين، ونضعه في صناديق واكياس لتأخذه امي وتبيعه مع ما ينتج من بيض وحليب وما اعددته من مشتقاته... اسقي الزرع بعد الشروق بقليل.. ثم اعود للمنزل لأعد الطعام قبل ان تأتي امي من السوق، بينما تقوم اختي بترتيب المنزل.
قبل ان تحين الظهيرة نذهب انا واختي الى المدرسة التي تبعد اكثر من ساعة ونصف عن منزلنا سيرا على الاقدام.
المدرسة دوامها مسائي لأننا لا نستطيع ان نذهب صباحا بسبب انشغالنا في مساعدة امي...
ابي كباقي رجال القرية يعمل شيئا واحدا، فقط يلقي الاوامر علينا...
يذهب صباحا ليتناول الافطار خارج المنزل مع اصدقائه بينما تعود امي ليأخذ ما جنته من ارباح في السوق.. يشارك اصدقائه في رحلات الصيد، مصارعة الديوك، الولائم..
لا يهتم لأي شيء سوى انه يريد ان يعيش حياته وهو في اقصى درجات الراحة، بينما تقوم امي بجميع الاعمال.
عندما اعود من المدرسة يكون الليل قد جنّ، واكون متعبة ومحتاجة للراحة لكن والدتي بالرغم من يومها المتعب، كانت تسهر بجانبي الى ان اكمل اغلب التحضيرات المدرسية التي في الغالب لا يكفي الوقت لإتمامها بالكامل ورفضت دوما ان نترك المدرسة على الرغم من ان اغلب سكان القرية محدودي التعليم.
استمرت حالتي على ما انا عليه لفترة طويلة لكن لا يضيع الله تعب احد ابدا..
تخرجت من الجامعة وانا الان اعمل مدّرسة في المدرسة التي كنت ارتادها، انا سعيدة لأني اعتبر نفسي مكافحة للظروف العصيبة التي كنت امر بها.
على الرغم من ان والدتي كانت انسانة بسيطة الا انها قالت لي يوما: دعواتي لكِ سترافقك طيلة عمرك وستوفقين يوما ما وترين السعادة وهذا ما جنيته فعلا، شكرا لكِ يا امي فآخر الصبر كان حلو المذاق.
اضافةتعليق
التعليقات