إلى الذين يجهلون قراءة العيون، إلى من يحكمهم الروتين والتعقيد في عمق الجدية دون نهاية، إلى أولئك الذين يدعون العلم بكل شيء ويخبرونا عن كل تصرف أننا كبرنا عليه، كبرنا على شراء اللعب أو طلب الحلوى المفضلة، كبرنا على الألوان التي نحبها ويسبقون حديثهم بكلمة عيب وهم لايفقهون معناها، إلى من يكسرون الرغبة بالحياة فينا ويقتلون حلاوة الألوان إلى كل شخص لايعرف أنه لربما غدا لسنا هنا..
أقتل روتينك وتقدم خطوة وتذكر شريط حياتك، هل جربت يوما أن تقدم زهرة لأحد المارة الذي يظهر على محياه حزن أو أن تخبر أحدهم أنه جميل ثم تنظر لعينيه وكيفية تغير ملامحه، هنا أنت زرعت بسمة حقيقية وغيّرت من شعوره مهما كان منوطا بالحزن ومهما ثقلت عليه هموم الكون.
أو إكسر روتينك برسالة نصية مفادها كلمات تنتشل الشخص من عمق ما فيه والأجمل أن تكون كتبتها بخط يديك لتبعث له حقيقة الشعور حتى لو لم تكن تجيد الخط، أو توقف لبرهة أمام طفل صغير وقدم له الحلوى وانظر كيف سيقع بغرامك، أو اكتب رسائل حب وقم بنشرها لعل أحدهم حائر ماهي الحروف المناسبة وأنت من ساعدته في إيجادها، حتى لو لم تكن عاشقا جرب حلاوة الكلمات وانظر كم شخصا منهم سيقتبسها وفكر كم جميلة ستقرأها أو كم فاقدا للحب سيفرح بها.
هل جربت أن تخبر السمراء أنها ساحرة الجمال وعيناها مدينة لا تنام فليس بالضرورة أن نكون عشاق إن كتبنا عن العشق فكم شخصا يعرف الحب ولا يملك حبيبا، وليس ضروريا إن كتبنا عن الغدر أن نكون قد طُعنّا كثيرا أو إن استرسلنا في كلام نكون نحن من نقصدهم فليست كل جملة نقتبسها هي واقع نعيشه أو تجربة نمر بها، لكن فقط هو استعذاب لربما.
فلا تبحثوا خلف الكلام عن كلام فبعض حروفنا تكون أجمل حين نخالف الإعراب فبين الوجود والعدم ولد الجميع واقفين على حافة الأشياء حيث الحيرة والشك، الخوف والارتباك معا ومن الأساس نحن بقع من العتم لولا نور الله فينا، فلما كل هذا التعقيد والتلاعب بالألفاض، لما لا ننطق كل شيء بعفوية مباشرة دون الهروب من أشياء تعجبنا أو حذف اقتباسات تروق لنا فقط لأن أحدهم سيفهمها بشكل مختلف متناسين أن شعور الاخرين هو خاص بهم وليس متاح للجميع وأن الكثير من الكلام هو غير قابل للبوح أو أنه من الأساس غير موجود.
لما نبرر لأشخاص لايجب التبرير لهم فقط لنبين حسن نوايانا بينما العقول المسيئة للظن دائما لاتستوعب النية الحسنة فلا فائدة من تبرير أفعالك تجاههم، لذلك لاتعتذر أبدا واكتب كما تحب وقل ماتحب فغدا ليس مضمونا، يمكنك أن تقول: إن شئت (يليق بك أن أستثنيك عن الكل)، ولا تنظر لبعد تفكير أحدهم فلربما إنك تقصد أمك وهو يرى سطحية الكلام فقط ويرى أن الحب مقصور على الغرباء.
وأيضا يمكنك أن تقول: (لم يكن شعورا أو صدفة وحسب؟ رأيت قلبي يسير نحوها وأنا ثابت)، ودعهم يفسرون الكلام كما يحلوا لهم فشعورك خاص بك ودع سوء الظنون لهم ليحملوا آثامها وإياك والتبرير عن شيء أنت أحببته وأردت الافصاح عنه حتى وإن كان مجرد اقتباس راق لك. فبينما أنت ذاهب عبر الحياة لوجهتك، لا تنسَ أن تلقي بذور الحب من يديك للعابرين، لحمامات الطريق، لساعي البريد، للصغار المشردين، للهذائين على جنبات الطريق، للبائع الجوال، لجدتك، للغرباء، للكارهين، والمكرهين، البائسين والعاشقين، لي ولك أولا فأنت تستحق أن يقول لك أحدهم أحبك وإذا لم يكن هناك من يقول لك أحبك قلها لنفسك، فحتى الشعراء أحيانا يحدثون أنفسهم بقصائد بينما نشعر أنها كتبت لنا والحقيقة هي كذلك هم أرسلوها كرسالة نصية جزء من النص فيها مفقود ونحن نجد أنفسنا بهذا الجزء كما شعرت أنا حين قرأت لفواز اللعبون نص يقول فيه:
أراك تنظر في الآفاق منتظرا
وعند الشروق وفي عينيك مغربه!
قل للهموم التي أبقتك منكسرا
إن طال ليل الأسى فالصبح يعقبه
عما قريب يعود الحق منتصرا
ويكتب الله امرا كنت ترقبه.
فنمت واستيقظت على تحقيق الأمر وكأن الحروف كانت رسالة من الغيب جعلت قلبي يهدأ ويطمئن، هكذا هي الحروف تغير فينا ماتوقعناه لن يتغير فداروا حروفكم واختاروها بحذر فكثيرون هم من يشعرون أنهم المقصودين وأنها رسائل من الغيب لهم، فقولوا جميلا حتى وإن لم تعملوا به أو تشعروا به فلربما هناك من هو بحاجة ماسة له فتصادفه حروفك لتدخل السكينة إلى قلبه أو ترسم ابتسامة على محياه فيشفى من داء شوّه أفكاره أو قتل رغبة الوجود لديه.
قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في حديث له: خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها وإن لم يعمل بها.
اضافةتعليق
التعليقات