دقات قلبه متسارعة وعيناه تعلقت بابنه تتابع حركته في ساحة المعركة يملؤهما القلق عليه، فالذي برز لهؤلاء القوم العتاة لم يكن ولدًا عاديًا .. إنه أشبه الناس خلقًا وخُلقًا ومنطقًا بجده صلوات الله عليه وعلى آله.
وهو ذاته حينما قال: (لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا)، لم يكن مدفوعًا بحماسة الشباب وانفعاله، بل كان ينطق عن معرفة وإيمان، وهذا أيضًا ما جعله أول العلويين شهادة.
كلماته، أفعاله وشهادته، كلها تخبرنا أن الانسان في طريق الحق وعندما يكون متحركًا بتقواه، يصبح للأول معنىً وتميزًا وفرادة، فيسقيه المصطفى (صلى الله عليه وآله) شربة لا يظمأ بعدها أبدًا، لتزهر به الجنة.
لكن كيان الكون اهتز من بعده، ثُلم الدين الذي كان قويًا بوجوده، فهو وبالرغم من عمره الصغير (سلام الله عليه)، عالمٌ ساهم في تربيتنا جميعًا، فنراه في كل عام يعيد احياء الحقيقة في أنفسنا، ويحركنا نحو البذل في سبيل الله.
نقلت لنا عاشوراء مشهدان فقط لعليٍ الأكبر سلام الله عليه، أحدهما حواره مع والده والآخر تفاصيل شهادته، لكنهما يحملان من الدروس ما يكفي لتهذيب النفوس وتطويعها، فهو أولًا يعلمنا على التضحية لأجل الحق حينما قال: (أولسنا على الحق؟) فالموت نعيمٌ في سبيله.
ثم يربينا على المبادرة في العمل بمبادئنا، حين أصر على أن يكون أول شهيد من أهل البيت (عليهم السلام)، فمكانته المختلفة كابنٍ لقائد الثورة لم تجعل منه شابًا متنعمًا متكاسلًا، بل دفعته نحو تأكيد قوله: (لا نبالي) إن كنا على الحق بما سيجري علينا، فيعكسه في أفعاله.
أما بعد شهادته، فكانت هناك سويعات حتى استشهد الإمام الحسين (عليه السلام)، وبالرغم من قصرها، لكنها بدون عليٍ الأكبر لا طعم لها، فهو لم يفقد فقط ولدًا ليس له مثيل، وشبيهًا للمصطفى (صلوات الله عليه وعلى آله) لن يتكرر في الوجود، بل ركنًا من أركان ثورته وقوتها، فقد عالمًا شهادته لم تكن عادية، حيث اكتسى جماله المحمدي بالدماء التي غيرت ملامحه.
فحق لوالده أن ينعاه ويقول:
(ولدي علي، على الدنيا بعدك العفا).
إذ لا يمكن بعده أن تبقى كما هي!.
اضافةتعليق
التعليقات