خُط مسيرك نحو الصراط المستقيم، ليس من المنصف أن تعطي قلبك ذلك الحيز الكبير، وتجعل عقلك يتوسل إليك لتمنحه بعض الفرص، ليس من المنصف فقط، لأنك انسان قد حباك الله وكرمك بعقلك تمييزا بك عن سائر مخلوقاته، التي منحها الله بشتى القلوب.
ليس من المنصف أن تتبع أهواء نفسك وخلجات روحك دون تفكير، فما نهاية العاطفة المفرطة إلا الهاوية، والمجني عليه هو أنت فقط، لكل حادث حديث، ولكل زمان مكان، ولكل عقل انسان، فكن على قدر المسؤولية، ولا تحمل نفسك إلى الهاوية.
الماضي ذهبَ ونحن أبناء اليوم، قد حباك الله بفرصة ربما غيرك فقدها وانقطع عمله عن الدنيا، فَشُق طريقك، وابدأ المسير بالاتجاه الصحيح، صحح خطاك فما تعيشه اليوم ربما لن يعود، وكن دائماً عبداً شكورا، ولا تنسى الاستغفار يوماً لأنك ستلقى به خير جزاء العهود، سامح من أساء إليك فبذلك ذكرى الخلود، استغفر الخالق بكل ركوع وقنوت وسجود.
تمّهَّل بالحكم على عباد الله فربما تربطهم قيود، اصطنع لهم أعذاراً فمهما عملت خيراً فبأضعاف لك سوف تعود، ولا تظلم بشراً حتى ولو حصلت على شهود، لأن الظلم يطغي شيئاً فشيئا ويزود، وتلذذ بحلاوة مناجاة ربك متوضئاً بحلكة الليل ومتعبداً بين صمت النيام وخفت الحواس والسكون، وتبتل إليه بقيام وقعود، وحضور قلبٍ وجسدٍ طَهور، وشذرات ترتيلٍ لكتابه الوقور.
ولا تنسى أن تُخّمِس مالك الذي أنت عنه مسؤول، وادفع صدقة لكل فقير ومعلول، فإن الصدقات يُذهِبنَّ عنك الأقدار الشرور، وإن استطعت أشدد الحزم وأعزم مقبلاً نحو مكة بقوامٍ وَقور، إلى بيتك اللهم جئت أزور، فأتزر بإحرامك راجياً عفواً وحُسن عاقبة وخير جزاء الأمور، فكّبِره وهّللهُ وقدِّم لوجهه النحور، ثم أقبل لقبرِ الخاتم الرسول، وخُرَّ من طولك هاوياً بالدمع الهطول، أرجو منه شفاعة وخير اصولٍ وقبول.
ثم اتجه نحو البقيع وتفقَّد كل قبرٍ مهجور، ما بين حسنٍ وسجادٍ وصادقٍ وباقرٍ وفاطمتان زوجات فحل الفحول، إحداهما أم عباسٍ والأخرى والدة الحسنانِ نعم هي البتول، فكن باكياً بأنين وضجيج بخطبٍ جزوع، على ما لاقوا من مظالمٍ ما بين مسموم وصريعٍ ومقتول، واقتُل الكبت هناك وارحْ مقلتيك والفؤاد، فأكمل مناسكك وأقبل نحو طوسٍ حيثُ شمسَ الشموس وغاديه روحاً ملتمساً للمهدي الدعاء.
ثم ارحْ برحلك نحو الشام حيث أميرة الحجاب زينباً أسيرة الجيوش، ثم توجه نحو العراق فبغداد موسى والجواد، وارخِ عيناك بين القبتين، ثم عَرّج نحو سامراء غادياً للروّاح، واجلس ما بين العسكريين، واهدِ لكلاً منهما زيارة ودعاءً وصلاة ركعتين، ثم اتجه مُعّرِجاً نحو النجف المشرّف، حيثُ علياً ليث الليوث يُعرف، صنديداً ووراث علم النبين، اقبل نحوه مودعاً عنده شربة من حوض الجنان ويسمى بالكوثر، وبَلِغهُ سلام الطُهرة زوجته أم البدور، فلا بدَّ أن شوقهما يدمي الصدور.
ثم اختتم عنائك بكربلاء، ما بين قتيلٍ ومضجر بالدماء، سادة السادات يفصلهما طريق بسيط ما بين العباس وسيدي الحسين الشهيد، فَحُط رحلك ما بين الحرَّمين، وأقسم على رب العزة بقطيع الكفين ومقطوع الوتين، وبحرمة الحرّة زينب ذات الحسرة والأنين، وصراخ النسوة وحرق الخيام، ولهيب شوق المحبين والخدام، أن يعّجِل فرجَ مهدينا المغّيب عن عيوننا بسبب كثرة الذنوب.
وأن تقرَّ أفئدتنا بظهوره الميمون، ويمسح عنا الأسى ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت نكالاً وهواناً، وأن يُصلح أنفسنا وأبداننا ويزكي أعمالنا، ويقبل توبتنا ويرحم عبرتنا ويُفَّرِج الله به كُربات الدهور، ويُحتم به النصر المقدور، وينصره ويجعل رايته متغطرسة الأركان، شامخة لعنان السماء، متجذرة بأعقاب الأرض، محيطة بكل المجرات والأفلاك، طاغية بضيائها على النجوم الشهب، مشمسة بأشعة لاذعة للعيون، لا تقاس بمقياس ولا تقدر بمقدار.
مزهرة بنفحات الخير والحب والسلام والعدل والأمان والمحبة، فبخ بخ لمن حضر لقياك سيدي القائم وهو من الدنس طَهور، لكنا مذنبين راجين شفاعتك واللوذ تحت رايتك وأن نحظى بالظهور.
اضافةتعليق
التعليقات