يعيش الإنسان في محطة من عمره حالة من السعادة المجنحة، فحلم الطيران في سماء السعادة شغف يطارد البشرية بصورة فطرية منذ لحظة ميلادهم، فكل شخص يحلم بالطيران وإن كانت بأجنحة منكسرة، من المهم ان يجرب نشوته في معترك الحزن بأي ثمن.
بعض الناس يجدون الزواج بمثابة الجنح السحري الذي سيحلق بهم في سماء السعادة والإستقرار، ولكنهم غافلين عما ان كان عكاز القدر سيتحمل ثقل الزواج ام لا!.
من المعروف ان السعادة خيار لا قدر، ومفتاح السعادة بيد الإنسان، اما ان يكون ذكياً ويفتح ابواب الحياة بمفتاح السعادة، او يتركه يصدأ في جيوب الفرص.
وفي هذا الإطار نجد بعض الفئات العمرية التي تخطو نحو مشروع الزواج تنقسم الى صنفين، صنف من المجتمع تؤيد فكرة الزواج المبكر، وصنف آخر تفضل الزواج في مرحلة متأخرة من العمر. ولكن ماهي المؤشرات التي يعتمد عليها الشاب أو الشابة في مشروع الزواج؟
يقضي الرجل سنوات عديدة من أجل نيل الشهادات والعمل الجيد، والمرأة تقضيها بين الدراسة والبيت والعمل حتى تصل الى زهو العمر، وفي فصل محدد من حياتهم يقررون الدخول الى العش الذهبي.
فالإنسان العاقل الناضج لا يطلق على مفهوم الزواج بإنها تجربة، بل يستوعب هذا المفهوم على إنها حياة كاملة، مبنية على أطر السعادة النفسية والإستقرار الذاتي.
ولكن يبقى السؤال هنا، هل مشروع الزواج الناجح مبني على إختيار تام تحت إدراك شخصي ام تدخل قدري بحت؟!
عندما يكون الزواج إختيار شخصي، مبني على قناعات شخصية، بعيدة عن الأعذار التي تحاول سد فوهة النقص العاطفي والمعيشي، مثل زواج الشاب من أجل الحصول على كنّة تساعد أمه في البيت وتقوم بالوظائف المنزلية، أو زواج الفتاة فقط لأنها وصلت لمرحلة تحتم عليها أن تخرج من بيت والديها بالفستان الابيض، او الامر الاخر ربما كان هناك شاب لم يلتفت الى مسألة الاختيار وهو الذي كثيرا ما يحدث في مجتمعاتنا ويستمع الى رأي الأم التي تريد ان تفرح بابنها وتمدح بها ويرى صورتها، ثم يلتقي بها امام اهلها ينبهر ربما بالشكل، وبعد ذلك تظهر له العيوب بصورة تدريجية، فلربما لم تكن مثقفة وربما تكون عصبية ... الخ، او يتم تزويج الفتاة عن طريق الأهل دون ان تتعرف الفتاة على شريك حياتها قبل الزواج.
هنا ستتصادم السعادة بين الأمر الشخصي والأمر الوجودي الذي لابد منه، فالزواج الناتج من الإختيار والقناعة الفردية يخلو تماماً من شوائب الندم، لأن الفتاة أو الشاب الذي يستقبل فكرة الزواج بنفسية وروح راضية دون أي جبر تختلف عن تلك السعادة المتذبذبة بين الخوف والتردد.
لان الزواج القدري، يعتمد على اختيار عشوائي غير مدروس، كبطاقة اليانصيب، امّا ان تتوفق في الزواج بأمر الهي، او تفشل، لان عملية الإختيار كانت مأخوذة بصورة ظاهرية تشمل الإسم، المستوى الثقافي لربما، أو حتى الشكل الخارجي دون تعمق في نفسية الفرد ومتطلباته الشخصية، ومن المعروف بأن الزواج هو "قسمة ونصيب" ولكن الله جل قدره خلق الانسان وخلق معه العقل حتى يتدبر اموره بنفسه فهو مخير في دربه لا مسير كما يعتقد البعض، ومن هنا تـفــند نظرية القسمة والنصيب باعتبار أن الانسان كما ذكرنا مخير ويعرف كيف يسيّر الأمور ويقودها لصالحه عندما يستخدم هذا العقل وفق التشريعات والمعتقدات التي وضعها ونصبها أئمة هذا الكون من خلال الأوامر الإلهية والتي حتماً لو طبقناها بحذافيرها لوجدنا اننا نعيش في بوتقات السعادة، ويجب ان تتم عملية الإختيار وفق معايير معينة ودقيقة، تناسب مزاج الفرد، إضافة الى الرغبة الشخصية، وليس على حساب شخص معين، فإذا تزوج الشاب فقط من أجل تلبية أمر والديه دون أي قرار شخصي وقناعة، من المحتمل ان يعيش حياة غير مستقرة لأنه ليس من اتخذ هذا القرار المصيري، ولم يتمعن جيداً في إختياره، وفي المقابل سيرمي جميع المشاكل التي تواجهه في حياته الزوجية على عاتق الأهل، او بالأحرى على عاتق "القدر".
ما كان الزواج في يوم من الأيام قسمة ونصيب، وإلاّ لما جاءنا الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأحاديث يحثنا فيها على الاختيار كقوله صلى الله عليه وآله: من أخذ إمرأة لجمالها جعل الله جمالها وبالاً عليه. وقوله: من أخذ إمرأة لدينها أظهر الله له جمالها.
ولكن اذا تم الزواج بصورة قدَرية خارج أطر الإختيار والتصميم فهنا ستحل الكارثة، لان هنالك إحتمال كبير بان الشاب او الفتاة، لن يبحثوا او يسعوا في ايجاد حل لمشاكلهم بقدر التهرب الذي سيبدر منهم في مواجهة الموقف ورمي المسؤولية على عاتق الظرف الذي أجبرهم على الإرتباط.
فمسؤولية الإختيار، هي مسؤولية مهمة وكبيرة جدا، تضمن للإنسان التوافق الذاتي مع الشريك، فكل شخص يعرف جيداً ماذا يريد، وعلى هذا الأساس يجب أن يختار شريك حياته بتمعن ليصل الى الرضا الذاتي.
وعلى هذا فالزواج هو اختيار سواء للرجل او للمرأة بموافقتها على الزوج، فالزواج نوع من الارتباط الروحي والالتقاء الفكري والسير نحو التكامل فلينظر المرء (سواء المرأة أو الرجل) بمن يقترن ومن يتزوّج.
ولكن يبقى مبدأ العلاقة الزوجية والاسرة الناجحة في المجتمع مبني على أسس الايمان بالله تبارك وتعالى وعدم النظر الى الزوجة او الزوج على انه المصباح السحري الذي جاء ليرفع عنه اعباء حياته فبالتكاتف والتعاون والايثار وتقوى الله تبارك وتعالى ينجح الزواج، وتنجح الاسرة، وتزهر الحياة، بالسعادة والحب..
اضافةتعليق
التعليقات