عانت المرأة العراقية ما عانت منذ عام 2003 ولغاية يومنا هذا من انتهاكات وظلم وضياع للحقوق، فبخست حقوقها في جميع مجالات الحياة سواء بالعمل أو البيت أو المجتمع حتى وصل بها الحال إلى البيع في أسواق داعش الارهابية، وتعرضت النساء العراقيات إلى السبي والاغتصاب والتعذيب والتهجير والسكن وسط العراء في الصحاري القاحلة هن واطفالهن، ورغم كل هذه الانتهاكات كان موقفها دائما الموقف المشرف فهي تقف موقف الساند والصابر.
إلى أن وصل بها الحال إلى كسر سلال الانتهاكات وقيود الاوضاع لتنتفض على هذا الواقع المرير وتقف بوجه الظلم وتطالب بحقوقها المسلوبة وخرجت بكل قوة وهيبة واجلال كما عهدناها للمطالبة بحقها وحق اولادها وحق ابناء شعبها في ساحات التظاهرات يوم الجمعة 25/ اكتوبر/2019 لترفع راية العراق وتقف مع اخوانها المتظاهرين في ساحات التحرير وتساندهم بكل مالديها من قوة.
شكلت المرأة العراقية عنصرا مهما في الحراك الشعبي الأخير، رغم تعرضها إلى مضايقات اجتماعية وسياسية نتيجة مشاركتها في المظاهرات لكنها اصرت أن تقف وقفة مشرفة بوجه الظلم وتنطق كلمة الحق بكل قوة واجلال لمساندة اخوانها وابناءها للتعبير عن حبها وولاءها للوطن والدفاع عنه من أيدي الفاسدين والمطالبة بحقوقها المسلوبة محاذية بذلك حذوا عقيلة أهل البيت السيدة زينب عليها السلام عندما خرجت مع أخيها الحسين (ع) لمساندته في واقعة الطف.
رسمت لنا المرأة العراقية في هذه المظاهرات صور مشرفة وكثيرة ومتنوعة فهي كانت المساندة والتي رابطت مع اخوانها المتظاهرين في ساحات التحرير للمطالبة بحقوقها والوقوف بوجه موجة الفساد المتفشية في البلاد واعتصمت عن دوامها وتركت عملها للنطق بكلمة الحق وكانت على اتم الاستعداد لتقديم روحها فداءً لكلمة الحق وفتح خارطة طريق جديدة في وطنها العراق ولأبناء وطنها.
ولم يتوقف الأمر إلى هذا فقط لا بل ساندت نساءنا العراقيات المتظاهرين من خلال اعداد الطعام وحمايتهم في بيوتهن وتشجيع ازواجهن وابناءهن للخروج مع اخوانهم والوقوف جنبهم للمطالبة بحقوقهم المسلوبة صور تقشعر لها الأبدان وتنحي لها الهامات.
وقد تعدت صور التضحية لتصل بنا إلى "بائعة المناديل" تلك المرأة العراقية التي اعطتنا درس عن البطولة والفداء وتصدرت اخبارها القنوات العربية وتناقل الفيديو الخاص بها جميع مواقع التواصل الاجتماعي فهي امرأة بسيطة تبيع المناديل الورقية لتقتات رزقها وكانت في المظاهرات التي انطلقت في يوم 1/ اكتوبر/ 2019 وسط المتظاهرين واثناء رش الغاز المسيل بالدموع على المتظاهرين لم تجد شيء لمساعدة اخوانها سوى توزيع المناديل الورقية اليهم وكانت نظرات الحيرة والألم واضحة على ملامحها فلم تجد شيء تتبرع به لمساعدة المتظاهرين ومساندتهم سوى مصدر رزقها، يالها من صورة مشرفة ترتفع لها الهامات وتفتخر بها الأجيال.
تعد هذه المشاركة المميزة والرائدة للمرأة العراقية في ساحات التظاهرات والاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد وبعض المحافظات الوسطى والجنوبية للمطالبة بحقوقها والوقوف بوجه الفساد المتفشي بالبلاد نقطة تحول كبيرة في تأريخ المرأة العراقية لتعيد صورة المرأة العراقية المشرف وتقول بصوت وشموخ أن المرأة العراقية قوية وتستطيع أن تتعدى أكبر الصعاب لتقف بكل شموخ واباء للمطالبة بالإصلاح الجذري وتضميد خدوش وطنها الجريح.
إن دلّ هذا الأمر على شيء فإنما يدل على وعي وثقافة ووطنية المرأة العراقية التي رغم الظروف والصعاب التي يمر بها البلد هي تعرف قضيتها وتعرف كيفية الدفاع عن وطنها وطريقة أخذ حقها بكل قوة وصلابة وهي على علم ويقين بأهمية موقعها في المجتمع وكيفية اشغالها نصف حيز المجتمع وقد اكملت نصاب المجتمع بمشاركتها الفعالة في ساحات التحرير وكسرت النظرة الدونية التي تعانيها من المجتمع وأثبتت بكل جدارة قوتها وطالبت بحقوقها كامرأة في بلد انهكته الأحزاب والمحاصصات.
ليس غريب على المرأة العراقية هذه الوقفة المشرفة التي سينسجها التأريخ بخيوط من ذهب ويتحدث عن صوتها المدوي وسط ساحات التظاهرات للمطالبة بحقوق الجماهير الرافضة للظلم والاستبداد لأنها اهلا لذلك ودائما وقفاتها مشرفة فهي النخلة العراقية الشامخة الأبية الرافضة للظلم والفساد والقيثارة السومرية التي تعزف على أوتار السلام للمطالبة بالعيش الهادئ الرغيد.
اضافةتعليق
التعليقات