يعد العنف من الظواهر القديمة في المجتمعات الإنسانية، تطوّر بأنواعه بتقدم الزمن، فأصبح منها السياسي، الديني، الأسري الذي إنقسم باتجاهات متعددة، ضد المرأة والأطفال والشباب ضد المسنين، كما أن ازدياد انتشاره أصبح أمراً مُثيراً للدهشة سواء على مستوى العالم أو على مستوى المنطقة العربية ومنه العراق، والعنف الأسري يُعد أحد ملامح العنف الذي يُؤثّر بشكل كبير على استقرار المجتمع.
أجرينا تحقيقاً حول (ظاهرة العنف الأسري) مع عدد من الأكاديميين والباحثين وذوي الاختصاص من أجل الوقوف على الأسباب والحلول التي من شأنها أن تقف بوجه هذا المرض الذي نخر بالمجتمع العراقي.
أنواع العنف الأسري
يقول مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، الدكتور خالد العرداوي، أنّ "العنف الأسري نوعان، أولهما (العنف المقصود الواعي) ويُقصد به جميع المُمارسات العدوانية الواعية المدعومة بإرادة وإصرار سواء أكانت مُبرّرة أو غير مُبرّرة، وتوجد أشكال مُتعدّدة لهذا النوع من العنف منها (القسوة في المعاملة) ويُقصد به (الضرب، ربط بالحبال، الحبس والحرمان من وجبات الطعام، إعطاء مواد لاذعة، تهجّم، لفظ التهديد لإكسابهم أنماط سلوكية مقبولة وإستبعاد أخرى غير مقبولة إلى جانب تنمية سمات مع الذكور منهم الرجولة والخشونة ولتعليمهم أدوارهم الاجتماعية المُستقبلية)، ويأتي ضمن قسوة المُعاملة (صورة الاستغلال الجسدي للأطفال، النقد والنهر والإذلال والإتهام بالفشل، تخويف الطفل)، أما ثانيهما فهو (العنف غير المقصود) ويُقصد به الاعتداءات الجنسية على الأطفال والتي يكون فيها الأب أو الأخ الأكبر هو الطرف المُعتدي، وغالباً تحدث مثل هذه الحالات تحت تأثير تعاطي المُخدّرات أو بعض الاضطرابات النفسية والانحرافات السلوكية".
الدوافع والأسباب
من جانبه يقول الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، الدكتور قحطان حسين اللاوندي، أنّ "الدراسات على مُستوى العالم أثبتت أنّ أبرز مُسبّبات العنف الأسري هو تعاطي الكحول والمُخدّرات، ويأتي بعدها في الترتيب الأمراض النفسية والاجتماعية لدى الزوجين أو كلاهما، وما بعدها الدوافع الذاتية والاقتصادية والاجتماعية، وبتعريف موجز عن تلك الدوافع:
1- الدوافع الذاتية: وهي الدوافع التي تنبع من ذات الإنسان نفسه والتي تقوده نحو العنف الأسري.
2- الدوافع الاقتصادية: في محيط الأسرة لا يروم الأب الحصول على منافع اقتصادية من وراء إستخدامه العنف إزاء أسرته وإنّما يكون ذلك تفريغاً لشحنة والفقر الذي ينعكس آثاره بعنف من قبل الأب إزاء الأسرة.
3- الدوافع الاجتماعية: العادات والتقاليد التي إعتادها مُجتمع ما والتي تتطلّب من الرجل حسب مُقتضيات هذه التقاليد قدراً من الرجولة في قيادة أسرته من خلال العنف والقوة وذلك إنّهما المقياس الذي يُبيّن مقدار رجولته، وإلا فهو ساقط من عداد الرجال وهذا النوع من الدوافع يتناسب طرداً مع الثقافة التي يحملها المجتمع وخصوصاً الثقافة الأسرية، فكلّما كان المجتمع على درجة عالية من الثقافة والوعي تضاءل دور هذه الدوافع حتى ينعدم في المجتمعات الراقية وعلى العكس من ذلك في المجتمعات ذات الثقافة المحدودة إذ تختلف درجة تأثير هذه الدوافع بإختلاف درجة إنحطاط ثقافات المجتمعات".
نتائج خطيرة
أما عن نتائج العنف الأسري فيقول مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحرّيات، أحمد جويّد المطيري، أنّه "يتسبّب في نشوء العُقدة النفسية التي تتطوّر وتتفاقم إلى حالات مرضية أو سلوكيات عدائية إجرامية، وكذلك في زيادة إحتمال إنتهاج هذا الشخص الذي عانى من العنف النهج ذاته الذي مورس في حقه، يساهم في تفكّك الروابط الأسرية وإنعدام الثقة وتلاشي الإحساس بالأمان وربّما نصل إلى درجة تلاشي الأسرة، ونظراً لكون الأسرة نواة المجتمع فإن أي تهديد نحوها من خلال العنف الأسري سيقود بالنهاية الى تهديد كيان المجتمع بأسره".
وصايا الخبراء
من جانبٍ آخر يُؤكّد التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء والباحث القانوني الدكتور علاء الحسيني، أنّ "من الحلول الواجب إتّباعها للحد من الظاهرة هو (الوعظ والإرشاد الديني فهو مُهم لحماية المجتمع من مشاكل العنف الأسري، إذ أنّ تعاليم الدين الإسلامي تُوضّح أهمية التراحم والترابط العائلي، كذلك تقديم استشارات نفسية واجتماعية وأسرية للأفراد الذين ينتمون إلى الأسر التي ينتشر فيها العنف".
ويضيف: "نشر الوعي الأسري بأهمية التوافق والتفاهم بين الوالدين وأهمية دورها في قيادة الأسرة وسلامتها، كذلك أهمية إستخدام أساليب التنشئة الاجتماعية السليمة ومضامينها المُناسبة في نمو الأطفال نموّاً سليماً من جوانب شخصياتهم النفسية والاجتماعية وضرورة تناسب تلك الأساليب مع خصائص مرحلة الطفولة المُتتابعة".
ويؤكد الدكتور الحسني على ضرورة "توجيه طرائق التدريس في المدارس بمختلف مُستوياتها بشكل يُساعد على تكوين التفكير العلمي لدى التلاميذ وتدريبهم على الاستدلال الجماعي السليم، ترشيد زواج الشباب المُبكّر، تحسين الظروف المعيشية لكافّة الأسر وتوفير فرص عمل مُناسبة لجميع القادرين عليه وتوسيع نطاق الخدمات المُقدّمة للأسر وضمان صحّي للكبار وسكن مُناسب وذلك لتفادي وقوع أي نوع من المُشكلات الأسرية حتى تتمكّن الأسر من التكيّف مع المُتغيّرات التي تطرأ بفعل الزمن، كذلك الاستعانة بوسائل الإعلام وقادة الرأي العام ومُنظمات المجتمع المدني لتحقيق ديمقراطية الأسرة وتوزيع السلطة لمُحاولة تغيير المفاهيم التقليدية كالسيطرة والطاعة العمياء وتوضيح آثارها السلبية إلى جانب الآثار الضارّة المُترتّبة على الإهمال والتراخي".
وبين أن "هنالك مكاتب (العنف الأسري) الذي أستحدثت في المحاكم العراقية كافة، والذي يستقبل يومياً عشرات النساء والأولاد المُعنّفين وهو بحاجة إلى تفعيل أكبر ومدّه بمختصّين في علم الإجتماع وعلم النفس والذين يُشكّلون نواة إصلاح الأخطاء المُرتكبة والتي تُؤدّي للعنف".
يبقى إتّساع ظاهرة العنف الأسري في العراق بتدهور الوضع الأمني والاقتصادي والقوّة المُحرّكة لذلك العنف، صورة مُصغّرة لمشهد أوسع يكاد يضع تلك القوى الأساسية في المجتمع تحت ضغط من ضرورة المُراجعة ودق ناقوس الخطر.
اضافةتعليق
التعليقات