يغمرها الفرح الناعس الذي يقطر كالندى، تعلو وجنتيها حمرة خفيفة وتعلو ثغرها بسمة جذابة لاتستطيع ان تخفيها انطلاقاً من مبدأ المؤمن بشراه في وجهه، وايضاً تعبر عن طهارتها وشدة نصوع قلبها النابض بالهدوء والوجع في آن واحد.
البشاشة التي ترتديها لا احد يستطيع أن يترجمها فهي تبعث الاطمئنان لمن يراها، تمثل الهدوء بتفاصيلها وتبرع في اخفاء انكسارها مهلاً.. مهلاً.. اتسمعون صوتاً! لا.. ماهذا الصوت؟! اترون شيئاً؟ لا.. صوت ضجيج قوي اكاد ان اسمعه انه هنا؟!
اين؟ اين؟ يا للأسف لايكاد احد يراه فالكل مشغول بسحر بشاشتها لايهمهم شيء سوى المظهر متغافلين عن الجوهر وعن الفوضى التي حطمت اركان فؤداها وعن الحرب التي نشبت بداخلها، حطمتها الأيام واندثر وجعها بمرورها، الندب التي كثرت لم تدع لها مكاناً لشيء اخذت من الوحدة انيساً ومن الكتاب صديقاً ومن القلم سلاحاً، لم تنتظر احد لانتشالها من بئر حزنها كلما غرقت فيه اكثر كلما ازداد انسها به، ايعقل ذلك كيف؟
من زهد عن الدنيا ضاق طعم حلاوة القرب من الرحمن، اخذت تكتب لتشغل وقتها بما يعود بالفائدة للجميع ولنفسها، وقرأت كتب عدة حيث إن كتبها لم تقتصر على جانب محدد في الحياة فكل كتاب تتصفحه يزيدها عمقاً وابتسامةً وعزماً للثبات، ما السر في قوتها، لم تخسر ابدا ولم تستسلم رغم صعوبة ظرفها وخسارتها لأهلها الذين استشهدوا في انفجار وهم ذاهبون نحو كعبة الاحرار الحسين عليه السلام، وكان لها اخ قد ذهب في ساحات المعارك ليرسم صورة مصغرة عن طف الشباب ودورهم ذلك اليوم وأخذ سلاحه ليذب عن حرمة أرض البلاد ويخلد شهيداً.
فكانت احزانها تترى عليها فكلما انكسرت عادت اقوى، اصبح الجميع يتساءل ترى ما الذي يزيدها صلابة؟
وما الذي يجعلها بكل هذا الثبات؟
سؤال شغل فكر المحيطين بها، لم تأبه لأحد فغرقها بحب الحسين قد اغناها، ازدادت قوة وثبات لتري من هم اضعف ايماناً أن الحسين كلما اعطيته اعطاك، لكن من يرون ببصرهم لا يستطيعون ان يروا ذلك، بعدها استمرت وداومت على قراءة زيارة عاشوراء لتزيد بذلك قربها من الامام وتطلب التوفيق الدائم للخدمة الحسينية وقد توفقت لذلك فكانت كل يوم تسلم على مولاها ومعلمها فلم تتخذه اماما فقط بل تعلمت من نهجه الكثير وكانت تطلب التوفيق لاكمال مسيرها في هذه الدنيا الدنية.
مرت الأيام وبدأت رائحة الحزن تملأ نسمات الهواء وتخيم على المنازل، اقترب قدوم محرم، ابدت استعدادها لاستقبال شهر حزن لم يتحمل ان يذقه انسان عادي قط، فحجم الألم والغصة في يوم الطف لا يطيقه احد، لذلك كانت تتغير حالتها في مثل هذه الأيام العاشورائية، اخذت تخرج في المجالس تحشد صديقاتها واقرانها، تشجعهن على الحزن والعزاء، لكن الجميع مستغرب من حالتها كيف لهذه الفتاة ان تحيا وان تمارس حياتها وهي مرت بمصائب صعبة لكنها لم تتوقف فخروجها كان نصرة واحياء لشعائر ابا عبد الله الحسين وزينب عليهما السلام، حتى جعلت الكبار تخجل من رقودهم في المنازل والتعذر من إحياء الشعائر والخدمة في سبيل الحسين واخذت الصغار تتأثر لما تراه من تلك الفتاة ومبادراتها التي بعد ان اصبح التطور يتجول في بلادنا اخذت عقول الناس تدخل في سبات عميق.
وكانت تخرج للمجالس وتحيي شعائر طالما اندثرت في المجالس، حتى اصبحت المجالس عند البعض تشكو البرود الذي يسودها، خالية من الجزع والمواساة، فكانت اول من تبادر في ذلك لتهيئ للأخريات الاجواء، وتعلموا منها ايضاً أن الحسين صدراً يتسع للجميع فالكل مقبول عند الحسين، وإن خدمة زوراه شرف لا يناله أياً كان، فأخذت سنة بعد اخرى تهدي الكثير، واخذت الفتيات تزاد اعدادهن، اصبحت مجالس منطقتها يغمرها الخشوع والحزن الرهيب واصبح الناس يرون آثار تلك الخدمة وأن أخلاقهم اصبحت جيدة وتعاملهم مع بعضهم جميل حتى إن شبابهم اخذت تهتدي كل ذلك ببركة الحسين.
حينها قررت النساء أن تجتمع وقرررن ان يردوا جميلها، قاموا ببناء حسينية في وسط المنطقة وطلبوا منها ان يأتوا اليها كل يوم ليتزودوا من علم اهل البيت وليرووا عطشاً طالما اقرح افئدتهم..
مرت سنوات وهي على هذا الحال، بعدها اصبحت استاذة فقه وتعلم في الجامعات ايضاً، ببركة الحسين تغيرت حياتها، صدقها مع امامها واخلاصها في خدمته اعلى من شأنها، هكذا هو الحسين سفينة نجاة تستوعب الجميع وتنجيهم إلى بر الامان، ومن هذه القصة عبرة أن الحسين مدرسة ومن اصبح تلميذاً في تلك المدرسة نال من ألطافه الطاهرة عليه السلام.
اضافةتعليق
التعليقات
العراق2018-11-06