إن مما يُؤسف له أن بلداً مثل العراق تسود فيه قوانين الغابة الدخيلة عليه رغم ما فيه من أنظمة وأعراف دينية وأخلاقية واجتماعية نظمت سير الحياة فيه بدقة متناهية ومهنية عالية فأعطت لكل ذي حقٍ حقه، رفضت التعدي على حقوق الآخرين، نبذت العنف وتصدت لكل مَنْ تسول له نفسه اعتماده كلغة حوار أو تفاهم مع الآخرين عبر سن العقوبات الصارمة والديات الباهظة الثمن والجلي عن الأوطان قسراً لكل مخالف لها، لكن يبقى السؤال الأهم أين تلك التشريعات والقوانين من المظلومية التي يتعرض لها قادة التربية والتعليم من معلمين رجالاً ونساءاً؟.
ففي الوقت الذي تنظر فيه الشعوب لهم على أنهم الحجر الأساس في بناء المجتمعات المثقفة الواعية والقدوة الحسنة في إعِداد جيل متكامل وعلى مستوى عالٍ من الوعي والادراك بعظم المسؤولية التي تنتظره في قادم الأيام، وقد يُشكل البعض علينا أننا اعتبرنا ان قوانين العشائر وكأنه هو المرجع الأساس والرسمي للبلاد في حين أنه يوجد دستور معترف به رسمياً.
ولكي نجيب على ذلك التساؤل المهم فنقول؛ رغم مرور أكثر من حكومة وبرلمانات سياسية قادت العراق إلا أنها لم تكلف نفسها بسن قانون يحمي الهيئة التدريسية من خطر العنف الجماهيري الذي أخذت وتيرته تتصاعد في الآونة الأخيرة ولهذا تنزلنا جدلاً لقانون العشائر علَّه يضع حداً لمعاناة هذه الشريحة التدريسية التي تقدم الخدمات الجليلة في سبيل تربية أولادنا وتزرع فيهم قيم العلم والفكر والمعرفة، حتى يكون المجتمع مثقف واعي وليس غارق في بحبوحة الجهل والتخلف. أفهكذا نجازيهم بالقتل والضرب المبرح والتهديد بالسلاح وكيل عبارات السب والشتم والتنكيل بهم أشد تنكيل؟!
فلنأخذ مثلاً ما تعرض له معلم في مدينة السماوة من والد تلميذ من طعن بالسكاكين جعله يغرق بالدماء، فمَنْ المسؤول عن تلك الجريمة البشعة؟!
مديرة ومعلمات إحدى مدارس بغداد أيضاً تعرضت للضرب والتعنيف الشديد والسب والشتم والتهديد بالقتل على يد عصابة من النساء وتحت حماية عدد من الرجال المدججون بالسلاح فمَنْ المسؤول أيضاً عن تلك العمليات الإرهابية والخروقات المسلحة وفي قلب العاصمة بغداد؟!
(فحكومة بغداد نايمة ورجليها بالشمس)! دور العلم وكادرها التربوي والتدريسي يتعرض لأبشع الجرائم وهي لا تتخذ الإجراءات الصارمة والرادعة بحق كل مَنْ تسول له نفسه التعدي على حرمات وكرامات قادة التربية والتعليم، فانظروا يا عراقيون دولة تضع راتب المعلم في المرتبة الأولى وفوق قياداتها السياسية العليا فأين نحن من حنكة هذه الدولة؟؟
تقدس المعلم وتمنحه الاهتمام الكبير ونحن نضرب المعلم! نهين المعلم! نقتل المعلم! ولا نبالي لما سيجري على أبناءنا وفلذات أكبادنا من مآسي وويلات من جهل وظلم وتخلف عند غياب المعلم شمس العلم والمعرفة، فمن أين سنأتي بنور العلم وشعاع المعرفة إذا غاب مصدرها الأساس؟
ولنتمعن جيداً بموقف الإنسانية المثالي النبيل وهي تكن الاحترام والتقدير للمعلم فمفكر إسلامي يقول: (مادامت الرسالة أخلاقية إنسانية إلهية فهي لاتقدر بثمن ولاتقابل بأجر، بل الإخلاص والأداء الصحيح التام يجعلكم بمنزلة الأنبياء وأفضل من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام). وشاعر عربي يتغنى بالمعلم فيقول: قُـم للمعلم وفِّهِ التبجيلا.. كاد المعلمُ أن يــــكون رسولا.
فكفانا يا أبناء بلدي ظلماً بإخوتنا وأبناءنا وآبائنا رموز التعليم، فلا خير في أمة تُهينُ عظماءها وترفع جُهالها، فرفقاً رفقاً بالمعلمين والمدرسين يا عراقيون.
اضافةتعليق
التعليقات