في الزمن الذي نعيش فيه نفتقد التسامح بيننا، حتى اعتدنا على عدم قبول العذر ومسامحة الاخرين ومحاسبتهم على اخطائهم وان صغرت، ولا نكاد ان نغفر لهم وان قضى الامر، ويبقى شيء في القلب يؤلمنا كلما خطرت الاساءة او الموقف الذي اصابنا، ونبقى في دوامة الحقد والكراهية، حتى تنتهي ايامنا، وان كان البعض يحمل روحا طيبة يسامح ويغفر ولا يحمل على قلبه اوزار الاخرين فتراه يعيش في حالة من السلام والتسامح مع نفسه والاخرين، وان كان متألما الا انه يجبر كسره بالمسامحة والغفران والتجاوز عن أخطاء الآخرين ووضع الأعذار لهم، والنظر إلى حسناتهم بدلاً من التركيز على سلبياتهم وعيوبهم، ويترك الامر فقط لانه عرف انها دنيا واننا بشر في نهاية المطاف، وهو يقرب الناس اليه بحسن خلقه، فالقرآن الكريم مليء بالآيات التى ترسخ بتسامح ونبذ العنف، وسنة الرسول واهل البيت (عليهم السلام)، وهي الاخرى مليئة أيضا بالمواقف التي تبين كيف اهل البيت (عليهم السلام) متسامحين حتى مع مبغضيهم. كما يقول تعالى: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ".
كما قيل في التسامح ان البعض يرى التسامح انكسار، وأن الصمت هزيمة لكنهم لا يعرفون أن التسامح يحتاج قوة أكبر من الانتقام الإحترام المتبادل هو الذي يؤكد أن الأخطاء قابلة للتسامح مهما كانت..
اثار التسامح على النفس قبل الغير
عندما تسامح فهذا ليس فقط من اجل الآخرين، ولكن من اجل نفسك ايضا، وللتخلص من الأخطاء السموم التي تتراكم في داخلك.
فالشعور بالمسامحة يخلصلك من تحمل الذنب والاثم الذي ما زال يكبر في قلبك.
تصبح قويا قادرا على المواجهة فلا تفكر ان المسامحة هي تنازل منك عن حقك او تهاون في مشاعرك، لكن لتعيش مرتاحا من دون اي شيء يفسد حياتك سامح انت.
اثر التسامح صحياً
" أدرك علماء النفس حديثاً أهمية الرضا عن النفس وعن الحياة وأهمية هذا الرضا في علاج الكثير من الاضطرابات النفسية، وفي دراسة نشرت على مجلة (دراسات السعادة) اتضح أن هناك علاقة وثيقة بين التسامح والعفو من جهة، وبين السعادة والرضا من جهة أخرى، لقد اكدت هذه الدراسة أن الذي تعود على التسامح يكتسب مناعة مع مرور الزمن في موقف يتعرض له بعد تعوده لا يحدث له أي توتر نفسي أو ارتفاع في ضغط الدم، الأمر الذي يريح عضلة القلب وينظم عملها، كذلك يتجنب المتسامح، الكثير من الأحلام المزعجة والقلق والتوتر الذي يسببه التفكير المستمر في الرد على من أساء إليه او الانتقام منه" .
التسامح عند اهل البيت عليهم السلام
الامام علي القائد المسامح ..
مرّ الإمام علي عليه السلام بعد معركة الجمل بنساء يبكين بفناء دار فلما نظرن إليه صحن صيحة واحدة وقلن: "هذا قاتل الأحبة" فقال عليه السلام: "لو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذه الحجرة، ومن في هذه وأومأ بيده إلى ثلاث حجرات. تقول صفية فذهبت إليهن فما بقيت في الدار صائحة إلا سكتت، ولا قائمة إلا قعدت"، وكان في إحدى الحجرات عائشة ومن معها من خاصتها، وفي الأخرى مروان بن الحكم وشباب من قريش، وفي الثالثة عبد الله بن الزبير وأهله...
روي أنه بعد أن ضرب ابن ملجم اللعين الإمام علياً عليه السلام وكان طريح الفراش جيء إليه بقعبٍ من لبن (حليب) فشرب منه قليلاً ثم نحاه عن فيه وقال: "إحملوه إلى أسيركم" (أي ابن ملجم).
الإمام الحسين (ع) والتسامح ..
يقول الإمام الحسين (عليه السلام): (لو شتمني رجُلٌ في هذه الأُذُن - وأومأ إلى اليُمنى- واعتذر في اليسرى، لقبلتُ ذلك منهُ، وذلك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حدثني أنهُ سمع جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (لا يردُ الحوض من لم يقبل العذِر من مُحقٌ أو مبطل).
وهناك رواية تقول أنّ غلاماً للإمام الحسين (عليه السلام) ارتكب جناية كانت توجب العقاب، فأمر بتأديبه فانبرى العبد قائلاً: يا مولاي! والكاظمين الغيظ، فقال (عليه السلام): خلّوا عنه، فقال: يا مولاي والعافين عن الناس، فقال (عليه السلام): قد عفوت عنك، ثم قال يا مولاي والله يحب المحسنين، فقال: (عليه السلام): أنت حرّ لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك).
تعريف التسامح في لغة
و التسامح كما جاء في تعريفه إصطلاحاً: (هو كلمة دارجة تستخدم للإشارة إلى الممارسات الجماعية كانت أم الفردية تقضي بنبذ التطرف أو ملاحقة كل من يعتقد أو يتصرف بطريقة مخالفة قد لا يوافق عليها المرء. و التسامح بالمعنى الحديث يدل على قبول اختلاف الآخرين.
الاعتراف بيوم التسامح العالمي ..
في عام 1996 دعت الجمعية العامة الدول الأعضاء إلى الاحتفال باليوم الدولي للتسامح في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، من خلال القيام بأنشطة ملائمة توجه نحو كل من المؤسسات التعليمية وعامة الجمهور (القرار 51/95 ، المؤرخ 12 كانون الأول/ ديسمبر). وجاء هذا الإجراء في أعقاب إعلان الجمعية العامة في عام 1993 بأن يكون عام 1995 سنة الأمم المتحدة للتسامح (القرار 48/126).
وأعلنت هذه السنة بناء على مبادرة من المؤتمر العام لليونسكو في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1995، حيث اعتمدت الدول الأعضاء إعلان المبادئ المتعلقة بالتسامح وخطة عمل متابعة سنة الأمم المتحدة للتسامح .
وجرت العادة فى يوم التسامح العالمي قيام الأمين العام للأم المتحدة والمدير العام لليونسكو بارسال رسالة تشيد بالتسامح وتدعو إليه، باعتباره السبيل الأفضل لإرساء دعائم السلام في العالم.
وأوضحت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا عام 2012 "المفهوم الصحيح للتسامح"، حيث قالت "إن التسامح لا يعني الشعور باللامبالاة تجاه الآخرين، ولا يستبطن قبول كل المعتقدات وكل أنماط السلوك دون أي تحفظ، وهو لا يعني تدني التزام المرء بمعتقداته أو تهاونه بها، كما أنه لا يحمل أية دلالة على أن الشخص المتسامح أرفع مرتبة من الآخرين".
وتجاوبا مع الدعوات الأممية للاحتفال السنوي باليوم العالمي للتسامح، تقوم طائفة كبيرة من المنظمات والمؤسسات الحقوقية والثقافية غير الحكومية، فضلا عن المؤسسات الموجودة في العالم العربي والإسلامي بتكريس جزءا من أنشطتها وفعالياتها للاحتفاء بهذا اليوم سنويا.
وتتناول هذه الأنشطة التي تشتمل على محاضرات وندوات ومؤتمرات ومعارض ترويج وترسيخ الوعي بمعاني التسامح الديني والثقافي والتحاور والتعاون بين أمم العالم، لا إيمانا منها بأن التنوع والاختلاف أمر ضروريا للوجود الانساني.
وقد أطلقت الأمم المتحدة حملة (معــاً) لتعزيز التسامح والاحترام والكرامة في جميع أنحاء العالم. ومعا هي الحملة العالمية التي تهدف للحد من المواقف السلبية تجاه اللاجئين والمهاجرين بهدف تعزيز التكافل الإجتماعي بين الدول والمجتمعات المضيفة واللاجئين والمهاجرين على حد سواء.
جائزة اليونسكو-مادانجيت سنغ لتعزيز التسامح واللاعنف
وقد أنشئت هذه الجائزة في عام 1995 بمناسبة الاحتفال بسنة الأمم المتحدة للتسامح وبذكرى مرور مائة وخمسة وعشرين عاماً على ميلاد المهاتما غاندي. وفي هذا العام أيضاً اعتمدت الدول الأعضاء في اليونسكو إعلان المبادئ بشأن التسامح. وقد اُستلهم إنشاء الجائزة من المثل العليا الواردة في الميثاق التأسيسي لليونسكو الذي ينص على أن "من المحتم أن يقوم السلام على أساس من التضامن الفكري والمعنوي بين بني البشر"..
ويتم منح الجائزة كل سنتين خلال احتفال رسمي بمناسبة اليوم الدولي للتسامح (16 تشرين الثاني/ نوفمبر. وتعطى الجائزة كمكافأة لأشخاص أو مؤسسات أو منظمات تميزوا بقيامهم بمبادرات جديرة بالتقدير بوجه خاص، على مدار عدة سنوات، ترمي إلى تعزيز التفاهم وتسوية المشكلات الدولية أو الوطنية بروح من التسامح واللاعنف.
ومنحت جائزة عام 2016 إلى مركز المنهجية والبحوث الروسي للتسامح وعلم النفس والتعليم (مركز التسامح).
اضافةتعليق
التعليقات