كل من شهد عاشوراء كان لابد ان تحتل الشق الاكبر من حياته لانها قضية الكون الكبرى، وكان الامام الباقر (ع) من اطفالها، من الذين شهدوا وقائعها وعانوا العطش والجوع والخوف وهجوم الخيل وحرارة الشمس اللاذعة، ومن الذين عاينوا بأعينهم جسم جده الحسين (ع) وهو مخضب بدمائه مقطع الاعضاء، لذا عاش مولانا وهو يحمل حزن كربلاء في عينه وينبئ عن هذا تحركاته وسكناته.
ولد الامام الباقر (ع) في شهر رجب سنة ٥٧ هـ وقد روي عنه انه قال "قتل جدي الحسين (ع) ولي اربع سنين". وهو اول مولود اجتمع فيه نسب ينتهي الى الامامين الحسن والحسين عليهما السلام، فأبوه علي بن الحسين (ع) وامه فاطمة بنت الحسن (ع).
وكانت امه سيدة جليلة الشأن عظيمة، وصفها حفيدها الامام الصادق (ع) حيث قال: "كانت صدّيقة لم تدرك في آل الحسن امرأة مثلها".
في حياة الصادق مواقف عديدة هي بمثابة دروس وعبر، منها موقفه مع العالم النصراني الذي اذهله بجوابه لما سأله: انت من علماء هذه الامة ام من جهالها؟!
فأجابه الامام: لست من جهالها.
هنا الامام تجرد عن الفخر والكبر واعطى للأمة درسا في قمة التواضع وعلى الرغم هو احق من يفخر بعلمه.
وموقف آخر جمع فيه بين الاحسان وصلة الأخوان فتقول سلمى خادمته انه كان يدخل عليه بعض إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ويكسوهم في بعض الاحيان، فكنت اكلمه في ذلك لكثرة عياله وتوسط حاله فيقول لي: ياسلمى ماحسنة الدنيا الا صلة الاخوان والمعارف.
شهد الامام في حياته الوقائع المأساوية التي شهدتها الامة منذ نعومة اظفاره وهذه ليست مجرد دعوى تخيلية فقد جاءت مأثورة على لسانه وهو يخاطب بعض اصحابه وشرح فيه الظلم الذي لاقوه من قريش منذ زمن الرسول (ص) وحتى زمانه، في كتاب اعيان الشيعة ج١ ص٢٦.
ورغم كل ذلك لم يتخذ الامام نظام الكفاح المسلح والجهاد العلني ضد الفئة الحاكمة وعلى رأسها هشام بن عبد الملك بل كانت سيرته ونهجه دليلاً على مخالفته اليهم، منها نشاطاته الفكرية التي لم يحتملها هشام بن عبد الملك فعزم على نفي الامام من المدينة الى الشام وبوضع يرثى له، بقى الامام يعاني هناك وقيل انه سجن هناك ايضاً.
حتى روي ان ابراهيم بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك حفيد اخي هشام بن عبد الملك بأمر من هشام قام بدس السم الى الامام الباقر (ع) وبقي في فراشه ثلاثة ايام يعاني من الم السم حتى انتقل الى ربه مظلوماً شهيداً كأجداده الطاهرين.
ولانه احيط بكل العلوم فكان باقر علم الاولين والآخرين، فما ابقى قضية تخص الامة الاسلامية الا واشار اليها حتى زمن الظهور حيث في وصية له قال: "واعلموا ان المنتظر لهذا الامر له مثل اجر الصائم القائم ومن ادرك قائمنا فخرج معه فقتل عدونا كان له مثل اجر عشرين شهيداً ومن قتل مع قائمنا كان له مثل اجر خمسة وعشرين شهيد".
اضافةتعليق
التعليقات