أمرُّ من العلقم، إلاّ أنّ ثماره لذيذة، ورغم الوجع الكامن بين ثناياه، لكنه يزّين الروح ويرسم البسمة على الوجوه المنكسرة، هو الفارق بين متزعزع الايمان والراسخ في قلبه كالجبال الرواسي، وبه يُختبر العبد عند المصائب والشدائد، إنه الصبر الجميل، والرضا المتجذّر في قلوب المؤمنين.
وفي ذكرى ولادة سيدة الصبر الجميل، الراضية المحتسبة؛ زينب (سلام الله عليها) استطلعنا آراء بعض النساء المواليات من دولة لبنان الشقيقة، عن كيف أثّرت هذه السيدة العظيمة على حياتهن وكيف ألهمت لهنّ الصبر والرضا أثناء الحرب الشعواء التي فتكت بالبشر والحجر والشجر.
عند الشدائد تُختبر المبادئ
تقول أم علي / ربة منزل وأم لثلاثة أطفال نزحت إلى سوريا بعد اشتداد القصف الغادر على منطقتها:
فقدنا الكثير، أخي وعائتله، والعديد من أقربائي اُستشهدوا، بيتي ومدارس أبنائي باتوا تراباً، ومع كل هذا الظلام هناك أمل يأبى الانطفاء، فقد منّ الله علينا بقوة الايمان، يُقال "لا يشترط في اللطف ذهاب البلاء، يكفي نزول السكينة"، ولأننا من موالي آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تبهت آلامنا أمام مصائبهم ولاسيما عاشوراء، كلما يداهمني اليأس، أستذكر ما حدث في كربلاء وكيف شهدت السيدة زينب كل تلك الأحداث الأليمة ولم يصب إيمانها شائبة، فتغمرني الطمأنينة وبدل من أكون حبيسة الحزن، أحاول بكل جهدي من خلال تربية أبنائي، ومساعدتي للعوائل، وإلقاء الدروس الدينية والتربوية عليهن، أن أستثمر وقتي وعلمي النافع وأنشره بين النساء النازحات، وأردد لهن دائماً "قد يكون العيش في سبيل الله أصعب من الموت في سبيله"، نسعى بأن يليق اسمنا بالانتساب إلى تلك السيدة الجليلة؛ سلوى كل مثكولة، ومع كل ماشهدناه يبقى "لا يوم كيومك يا أباعبد الله".
في ذكرى ولادتها الطاهرة وأنا قرب مرقدها الشريف أقول لها: بقلوبنا المتعبة جداً، لبيكِ يا زينب.
زينب.. قدوة كل امرأة في زمن الحرب
أما ملاك درويش /إعلامية لبنانية فتقول:
السيدة زينب (عليها السلام) تمثل نموذجًا راسخًا للمرأة الصابرة والقوية في مواجهة محن الحياة، وخاصة في أصعب الأوقات التي شهدت فيها الأمة الإسلامية حربًا طاحنة. في كربلاء، حيث سقط أعزاؤها في المعركة، وقفت زينب (عليها السلام) بكل شجاعة وصبر، مبديةً قوة لا مثيل لها في مواجهة الفقدان والألم.
لقد كانت السيدة زينب قدوة في الصبر والثبات، حيث حملت مسؤولية حماية الأطفال والنساء في وسط هذا الوضع القاسي، وظلت ثابتة في الحق رغم التحديات. عندما كان القتلة يظنون أنهم استطاعوا كسر إرادة آل البيت، برهنت زينب على أن القوة الحقيقية تكمن في الإرادة الصلبة والصبر العظيم.
لقد كانت معركة كربلاء بالنسبة لها ليست مجرد حدث تاريخي، بل كانت درسًا في كيفية التمسك بالقيم والمبادئ تحت أشد الظروف.
تمثل السيدة زينب، في صبرها وعزمها، رمزًا للمرأة العربية واللبنانية خاصة في هذه الظروف الصعبة والحرب التي نعيشها.. هذه السيدة التي لا تنكسر أمام الأهوال، بل تقوى وتتحدى المصاعب بقلوب مفعمة بالإيمان، لتكون بذلك قدوة لكل امرأة في زمن الحرب أو في أي وقت من أوقات المحن.. هكذا نحن اللبنانيات اليوم عندما نشعر بالضعف نتذكر قوة زينب (عليها السلام) وعندما نشعر باليأس نتذكر عنفوان وصبر زينب.. في معركة الحق والباطل دائما وأبدا أهل البيت هم قدوتنا وكربلاء مدرستنا..
رباب يوسف سبيتي/ لبنانية احتضنتها مدينة كربلاء المقدسة تقول:
لم تكن السيدة زينب (عليها السلام) امرأة عادية في تاريخ الأمة الاسلامية، فقد شكّلت حالة استثنائية جمعت فيها الكثير من الصفات والقيم والمبادئ الاسلامية والانسانية والأخلاقية والجهادية.
في هذا الاطار مثّلت السيدة الحوراء (عليها السلام) نموذجًا حيّاً، وقدوة تاريخية لنساء الأمّة أجمع وعلى وجه الخصوص للمرأة الجنوبية التي استلهمت منها معاني الصبر والتضحية والجهاد والثبات على النهج والدين المحمدي الأصيل، فأصبحت بالنسبة لها مرجعًا عقائديًا وجهاديًا وعاطفيًا وانسانيًا، تجسّد ذلك في دعوة أبنائها للجهاد والالتحاق بركب المقاومين، وصبرها على الفقد وشهادة أحبائها، وخروجها في مواكب المشيّعين لتقبل التبريكات، وانخراطها في العمل التربوي والاعلامي المقاوم وغيرها من المجالات التي تعدّ امتدادًا للنهج الكربلائي الحسيني.
وفق النهج الزينبي.. كيف نحول مواطن الضعف إلى قوة؟
الدكتورة ميادة العريبي/ دكتورة نفسية أسرية تربوية من لبنان أبدت رأيها قائلة:
خرجت السيدة زينب (سلام الله عليها) مع وليها قبل أن يكون أخيها، واستطاعت أن تفصل بين العاطفة الأخوية وبين الولاية والامامة وطاعتها لذلك وهذا كان تكليفها تجاه امام زمانها الامام الحسين (عليه السلام)، وقد حمت الامام زين العابدين (عليه السلام) أيضاً في حينها، وتصدّت لأن تكون الحامية لمسيرة كربلاء من النهج إلى الطفل إلى النساء، كانت تلتفت لكل المواطن حتى الفقهية وغيرها، مثلا منعت الأطفال من أخذ الصدقات، (لأن أهل البيت لا يحل لهم قبول الصدقات بل من أساس المال كالزكاة وغيره).
السيدة زينب كانت أيقونة في هذا المجال لأنها فصلت بين العاطفة المدمرة والعاطفة الحقيقية، وجعلت من عاطفتها تثمر بإيجابيات ومواقف إلى كل البشر، وإلى اليوم هي مواقف خالدة وحية.
هنا يجب أن نلتفت إلى كيفية تحويل مواطن الضعف إلى قوة والدليل جوابها (مارأيت إلا جميلا)، مع كل الرؤى الصعبة.
اليوم أمهات الشهداء لم ينهاروا أمام هذه الصعاب والمواقف وهول الفقد والدمار والظلم، فنحن قوم قدوتنا زينب نؤجل الحزن إلى وقته، نعم بالتأكيد نبكي ونحنّ على من فقدناهم ونتألم، لكن لا نجعل من الألم عائقاً بيننا وبين الوصول للهدف والبقاء على نهج أهل البيت.
هذا الربط مهم جدا ويجب أن نفكر فيه دائما، كيف نحول الحزن إلى مواطن قوة وكيف فصلت الحوراء زينب بين أخيها وامام زمانها وكيف استطاعت أن تحفظ مسيرة كاملة ونهج كامل وحفظ حياة امام كذلك، وهي امرأة استطاعت أن تقف موقفاً يعجز الرجال عن وقوفه، لذلك دائما مانردد: لبيك يا زينب، لبيك يا حسين، لبيك يا زهراء، لأننا نعرف أنها بصبرها ووعيها وبعبادتها حفظت النهج ونحن اليوم نعيش على هذا الطريق.
طريق أهل البيت مليئ بالقيم التي تعيننا اليوم، مثل الدعاء والمناجاة: فلدينا الكثير من الأدعية المنسوبة للإمام زين العابدين، قيمة التصبر وكيف نستلهمها من الامام الحسن، والشهادة وسيدها الامام الحسين (عليهم السلام)، مراحل الأئمة كلها يجب أن نحياها وذلك باحقاق الحق وازهاق الباطل.
اضافةتعليق
التعليقات