إن البيانات المتوفرة حول عمل المرأة خلال الأعوام 1956 - 2006، تبين أن عمل المرأة، قد اتخذ منحىً تصاعدياً، باستثناء الأعوام من (1976-1986) فقد تداخلت مجموعة من الدوافع والأسباب كي تكون حصيلتها التوجه المتزايد للمرأة نحو الحضور في المجالات الاقتصادية.
إن في مختلف المجتمعات أسباباً تؤدي إلى أن تكون المرأة مضطرة للعمل بعيداً عن البيت لضرورات شخصية أو أسرية وفي ظل أوضاع وظروف اجتماعية خاصة، مثل أوقات الحرب، فإن المرأة كانت تقوم بأنشطة خاصة مثل التمريض، أو كانت تلجأ إلى أعمال مثل القبالة والحلاقة ولم يكن مرحباً كثيراً بدخول الرجل في هذه المجالات، إن العصر الجديد في أوروبا والذي تميّز عن القرون الوسطى بالنهضة الثقافية - الاجتماعية التي بدأت من القرن السادس العشر، كان في الواقع حصيلة لانتفاضة الطبقة المدنية الوسطى ضد الاقتصاد الإقطاعي والتي انتهت إلى سيطرة طبقة جديدة باسم طبقة التجار (الطبقة البرجوازية على شرايين التطورات الاقتصادية) وكانت البرجوازية تستحوذ على الاقتصادين التجاري والصناعي وكانت ترى بقاءها متوقفاً على التبادل التجاري الحر، ولم تكن هذه الطبقة ملتزمة أساساً بالقيم الأخلاقية.
وكان جل اهتمام هذه الطبقة الجديدة، منصباً على الربحية واللذة ومن هنا، بادرت إلى نشر القيم المادية والفردانية، واضعة الإنسان الغربي أمام فلسفة جديدة للحياة وفي هذه الفلسفة الجديدة، فإن أصالة الفرد كانت تعني أن الإنسان المادي الملتزم بالقيم الوضعية هو الموضوع القيّم الوحيد الذي يجب أن يكون محط الاهتمام على صعيدي العمل والفكر وأن كل شيء عدا ذلك ينبغي النظر إليه وتقييمه على هذا الأساس.
وكانت العلمانية التي تعني فصل الدين عن الحياة الاجتماعية، وتطهير المجتمع وميادين الحياة من القيم الدينية وقيودها وانتشرت (نسبية التعاليم الأخلاقية) التي تعني أن أي مبدأ أخلاقي لا يتحكم بسلوك البشر خارج إطار الزمان والمكان، وأن لا قيمة مطلقة لأي شيء باستثناء حرية الإنسان، وأصالة الفرد صارت عنصراً أساساً أيضاً. وهي تعني أن الفرد بكل خصائصه الفردية هو المعيار والميزان وأنه لا يمكن فرض أي نوع من القيود عليه تحت ذريعة القيم وكانت حصيلة هذه المبادئ الأربعة هي أن القيم الإنسانية لا يمكن تعريفها وتوصيفها، إلا على أساس رغبات الأفراد.
ومن هنا، من اللازم أن يسعى كل فرد لتحقيق رغباته وتطلعاته بحرية، ولا ينبغي لأي شيء تقييد هذه الحرية باستثناء رغبات الآخرين.
فهذه الفكرة هي ما يُعرف بالتحديد اصطلاحياً بـ «الليبرالية» فالليبرالية الاقتصادية، هي التي تُعرف أيضاً بـالنظام الرأسمالي الذي يستند على التبادل الحر لرأس المال وحرية عمل الرأسماليين وكانت الليبرالية الاقتصادية، تسعى إلى تطبيق مفاهيم ونظريات وأساليب ومؤشرات، وعلاقات وسياسات تؤدي إلى تنامي الثروة وفي المفاهيم الرأسمالية والسوق ورب العمل هي العناصر الأساس ومن هنا، يمكن لنا أن نتوقع أنه في ظل مثل هذه المفاهيم، فإن القيمة تفسر على أساس تعريف مادي للإنسان من دون الأخذ بالاعتبار المبادئ الأخلاقية الثابتة، وأن تكون المكانة الاجتماعية للفرد وموقعه في إنتاج الثروة وفي التبادل الحر للرأسمال هما المعيار .
ومع التأسيس لهذا المعيار قانونياً، فإن المرأة الأوروبية بدأت تشعر شيئاً فشيئاً أنها كانت في الموقع الأدنى على مدى التاريخ؛ لأن المناصب الاجتماعية لم تكن في متناول يدها ولم تكن الثروة في يدها مباشرة ومن هنا، فإن الحصول على أعمال مدرة للدخل، وتولي مناصب اجتماعية تحول إلى مطلب بالنسبة إلى المرأة الغربية في ظل المناخ الاجتماعي الذي أعقب الثورة الفرنسية.
وارتبط ذلك بمصالح كبار الرأسماليين الذين كانوا يتنافسون بعضهم مع بعضهم الآخر للسيطرة على الأسواق العالمية، ويعتقدون أنه لا بد من خفض أسعار المنتجات كشرط مسبق للسيطرة على الأسواق وخلال هذه المرحلة، أدى ظهور صناعات جديدة إلى الفصل ما بين المنزل ومكان العمل، الأمر الذي نجم عنه بعض التطورات والتحولات الثقافية والاقتصادية التي لم تكن بالحسبان أيضاً.
أهمية وضع نظام تعليمي منسجم، مضافاً إلى تعليمهم المهارات المطلوبة ولأن هاجس النظام الرأسمالي كان تحقيق المزيد من الثروة، فإن السياسات الحكومية المتحكمة بالنظام التعليمي في الدول التي كانت حكوماتها تعتبر ممثلة للرأسماليين أو تحافظ على مصالحهم، أخذت تتجاهل شيئاً فشيئاً عنصر الجنسانية ومهدت الأرضية لوضع هذه المسؤولية على عاتق الحكومات وفي النصف الثاني من القرن العشرين، مع تفشي أفكار الحركات المدافعة عن حقوق المرأة والتيارات اليسارية وانتشارها وتسللها إلى داخل العلوم الاجتماعية، وكذلك بسبب سياسات الحكومات الرفاهية والتي أخذت تشق طريقها إلى برامج التنمية ومنذ بداية القرن العشرين، فقد واجهنا ظاهرتين بشكل متزامن تقريباً الأولى دعوة النساء إلى العمل بسبب شيوع ثقافة الاستهلاك وارتفاع معدلات التضخم الذي تسبب في الحاجة إلى زيادة الإنتاج، والثانية طرح فكرة التعليم الحكومي من قبل منظرين، مثل جان ديوئي الذين كانوا يعتقدون أن الأولاد هم رأسمال الحكومة وليسوا ملكاً للأسرة.
ومن هنا، يجب تحريرهم من سيطرة القيم العائلية، كي يكون بالإمكان نقل النظام القيمي المرجو من قبل الحكومة إليهم من خلال فقد وقعت على عاتق الحكومات مسؤولية التخطيط بشكل الاقتصادية، مبرمج لتغيير القيم والقيام بإصلاحات اجتماعية تستند إلى تحقيق اللذة والرفاهية المادية وتجاهل المبادئ الأخلاقية الثابتة والقيم العائلية، فشعار «المساواة» الذي يعني المساواة في التعليم، والمساواة في الحصول على الفرص والمصادر والمساواة القانونية والمساواة في الرقابة والإشراف كان من أكثر المفاهيم جاذبية وتأثيراً وقدرة على توفير الأرضية لتبدل القيم، وتراجع دور الأسرة في مواجهة السيطرة الحكومية الجديدة ومن وجهة نظر كثيرين من علماء الاجتماع الجدد، فإن مؤسسة الأسرة التي كانت حتى تلك اللحظة من أجل الإنتاج، كان يجب أن تتغير لكي تكون متناغمة مع المجتمع الاستهلاكي. والجدير بالذكر هو أن نظرية الفصل الجنساني كانت نظرية مقبولة إلى ما قبل عقد الستينات من القرن الماضي في مفاهيم العلوم الاجتماعية وأن علماء اجتماع كباراً مثل دوركهايم و بارسونز كانوا يعتبرون تقسيم العمل على أساس الجنس عاملاً مهماً في التضامن بين الرجل والمرأة، وفي زيادة الشعور بالتعاون وكفاءة الرجل والمرأة في المنزل والمجتمع، وأن ذلك ناجم عن الفارق في التكوين الجسدي بينهما.
وقد اهتمت أيضاً الدول الاشتراكية كثيراً بالتدخل في الشؤون التعليمية ودعوة النساء إلى العمل، وتبنّت بعض الدول الاشتراكية الغربية سياسات مشابهة تقريباً لإضعاف موقع المرأة في الأسرة.
اضافةتعليق
التعليقات