إن من يطرق باب الرب فيفتح له الباب سريعًا ويوهب ما أَقبلَ لأجله ساعيًا، بلا شك من السهل عليه أن يكون مستبشرًا فرحًا شاكرًا حامدًا، ولكن الصعب في أن يطرق الباب مرارًا وتكرارًا، ويبقى واقفًا على الباب طويلًا، ثم ما إن يعطى حتى يتهلل وجهه فرحًا ويذكر ربه الوهاب حامدًا، ويثني عليه بأنه خير مجيب وسامع.
بلى! في قوله تعالى: [الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ] (ابراهيم :٣٩)، نتعلم هذا الدرس العظيم عن حسن الظن واليقين بالعطاء الإلهي واستجابة الباري لكل دعواتنا وإن قربت أو بعدت التلبية، بل والدرس الأهم هو الأدب مع الله تعالى عند الطلب وبعد الطلب.
فكثيرةٌ هي دعواتنا غير المستجابة -ظاهرًا- وطلباتنا التي ننتظر أن نعطى إياها -كما نتمنى- البعض منا قد ينساها لأنه يئس من بلوغها، والبعض ينساها لأنها أصبحت بين يدي رب كريم جواد لا ينسى إلا إنه يُعطي بقدر وحكمة، وهذه الآية تُعطينا مثال للنموذج الثاني الذي وصل إلى يقين أن من دعاه هو سميع الدعاء، الذي وعد بالاستجابة وهو الذي لا يخلف الوعد حاشاه. ففي هذه الآية هناك حمد لكن ليس لموهبة نالها الطالب بمجرد أن طلب بل لموهبة طال انتظارها، وذلك بعبارة [عَلَى الْكِبَرِ]، وختام الآية خير دليل وفيها اشارة على ما يحمله قلب هذا الداعي من أدب ويقين إذ قال [إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ].
بل لو أردنا مقارنته ومقايسته بهذا الرد في هذه الآية [قالَ أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ * قالَ وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ](الحجر : ٥٥-٥٦).
فذاك الرد في التفاعل القلبي والوجداني والإيماني مع الإجابة عظيم وعميق. فهناك من أن أبطأت عليه الإجابة ونالها بعد زمن لا يرى للاجابة حلاوة في نفسه، ولا يرى للعطية أهمية في حياته لأنها أتت على غير الميعاد الذي كان يرجوا، وهي في الحقيقة لم تتأخر بل هي أتت بوقتها الذي يعلمه ويراه الرب المدبر.
كما ويمكن أن نفهم لماذا قالت الآية [وَهَبَ لِي] ولم تقل مثلا [أعطى لي] فكما يقال أن الهبة تأتي من دون أن يَنتظر الواهب مقابل، بينما العطية يتبعها تقديم شيء بالمقابل كما في قوله تعالى [ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ ](الكوثر ٢-٣)، فهنا تعالى بعد هذه العطية طلب بالمقابل من المُعطى الصلاة والنحر، واللطيف في آية الهبة الموهوب هو الذي طلب من الواهب تعالى أن يجعله ممن يقدم شيء في قبال ما وهبه وذلك بقوله تعالى: [رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ] (ابراهيم :٤٠).
بالنتيجة هذا هو التعامل الأمثل للداعي الموقن بالإجابة ومع تأخر إجابة الدعاء، وهذا ما نربي أنفسنا عليه في أحد أدعية هذا الشهر الفضيل وذلك بقولنا: [اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي آيِساً مِنْ إِجَابَتِكَ وَ إِنْ أَبْطَأَتْ عَنِّي، فِي سَرَّاءَ كُنْتُ أَوْ ضَرَّاءَ، أَوْ شِدَّةٍ أَوْ رَخَاءٍ، أَوْ عَافِيَةٍ أَوْ بَلَاءٍ، أَوْ بُؤْسٍ أَوْ نَعْمَاءَ، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ](١).
———————
اضافةتعليق
التعليقات