لقد نسي الأعداء أن دين الله تبارك وتعالى قائم مادامت السماوات والأرض، وأن الله كتب على نفسه ليغلبن هو ورسله ونسـوا أن الله عزيز ذو انتقـام، وأن الله قـد يمهل ولكنه لا يهمل، وأنه للظالمين بالمرصاد.
لقـد حـكـم معـاويـة بالسيف والدينـار والدرهـم وقتـل مـن قـتـل وهـجـر مـن هجر، وحكـم بالكذب والدجـل، وباستخدام الترغيب والترهيب، وعمد إلى تعيين يزيـد مـكـانـه ليستمر حكمـه بنفس الأسلوب مـن بعـده مـع فـارق أن يزيد كان أشـد فتـكاً، وأقـل ورعاً، وأكثـر جـرأة عـلى الله ورسوله.
لكـن الحيـاة تغيّرت بـ إرادة الله عز وجل في خلقه، وذلك على يــدي زينـب فلولا ظهور هذه السيدة على مسرح الحيـاة كانوا ينجحون في تحقيق مآربهم، ويبدلون دين الله ويحرفونه، ويجعلون الطغاة أسـوة لمن يـأتي مـن الحاكمين، لكـن لم يسدل الستار بعد على دورهـا وما أحسبه أن يسـدل حتى تتبدل الأرض ومـن عليها.
لقـد حـولـت زينب (عليها السلام) نـصـر أعـداء الله إلى هزيمـة، وجعلت فرحهـم حزنـاً، وعزتهـم ذلـة، وهـذا مـا أحـس بـه طاغيتهـم يزيد بن معاوية عندما ترك الأسرى يعودون إلى المدينة عـبر كربلاء، فأحس أن نصره مؤقت، ولعله ندم على ذلك حسب ما يقول بعض المؤرخين، ولكن لات ساعة مندم.
تمضي السنون وتمر الأيام، ويمـوت جيل ويأتي جيل آخر، وتبقى جذوة حب الحسين وعلياً متقدة في قلوب المؤمنين لا تخبو ولا تخمد، فيعمدون إلى إحياء ذكـرى مقتلـه، ويحزنـون على كل من قتل من شهداء كربلاء.
حـزن طويل بطول الدهر، بحجم الكون، يشعر به كل من يؤمن بـالله ورسوله، فيجعـل الحسين (عليه السلام) بوصلة لحياته، كل ذلك هـو نـابـع مـن مـواقـف زينـب، وصلابة زينب، وبطولة زينـب عقل، وحـزن زينب.
لقـد اسـتطاعت ابنـة علي (عليهما السلام) أن تغير تاريخ هذه الأمة بعـد أن حاول بنـو أميـة وأعداء أهـل البيت (عليهم السلام) أن يجعلـوا طريقتهـم في الحكم هي النمـوذج في الحياة، وأن يغيروا مجرى هذا الديـن، وأن يجعلـوه يؤيد الظلمة والطغاة، وأن يجعلوا منطـق القـوة هـو المنطـق السائد بين الشعوب، لكـن زيـنـب غيّرت كل ذلـك وجعلـت قـوة المنطق أقوى مـن منطـق القوة.
أصبحت كل خطـوة مـن خـطـوات زينـب مثالاً يحتذى به لدى المؤمنين والمؤمنات، فهي التي تلقفت راية الحسين (عليه السلام) فور ما سقط من على جواده على الأرض، ولم تـدع الراية تسقط هناك، فأصبحـت المبادرة في حمل راية الحق قضية أساسية في قاموس المؤمنين في هذه الحياة.
لـقـد كـتـب الحسين عليه السلام بدمه کتاب مقاومة الباطل، مهما تطلب من تضحيات، فوضعت زينب ذلك الكتاب موضع التنفيذ، وعلمتنـا أن جـهـاد المرأة -بعد حسن التبعل- هو في حفظ رسالة الله، ورفع رايـة الحـق، والدفاع عن المبادئ والقيم التي ضحى الشهداء من أجلهـا في الأرض.
إن زينب هي التي جعلت قضية الحسين قضية لا تموت، وثورته ثورة لا تنتهي ولو سألنا عن سرّ خلود الحسين (عليه السلام) لكانت الاجابة.. ابحث عن السر في مرافقة زينب (عليها السلام) له، فإذا كان الحسين قد تميز في شـهـادتـه بما لا يـقـاس بـغـيـره مـن السابقين واللاحقين، فإنّ زينب تميزت في ثباتها، وتحملهـا، وصبرهـا، وجهادهـا بـما لا تقاس بغيرها من النسـاء مـن أول الدهر إلى آخر الدهر، فالحسين علي بالشهادة المتميزة وأصبـح سـيد الشهداء، وبـالأسر المتفـرد أصبحت زينب (عليها السلام) سيدة أسيرات التاريخ.
لقدة كانت زينب (عليها السلام) امرأة لكنها قامت بما يعجز عنه الرجال في هذه الأرض؛ فبكلمات زينب وخطبها، مواقفها وبطولاتها انتصر دم الحسين (عليه السلام) على سيوف أعدائه.
وسيقى التاريخ يذكر زينب - حملت جـراح الأنبياء وآلامهم، كما حملت جـراح أهلهـا، وآلامهم وتشربها في كل مكان حتى أن المؤمن لا يذكرهـا إلا ويتكسر قلبه، وتدمع عينه، ويمتلئ حماسة ضد أعداء الحسين.
كانت زينب الحسين مثـل هـاجـر لإبراهيم وخديجة لرسول الله، کانت امرأة من طراز آخـر، إنها المرأة التي حباها الله بحب عظيم، فسخرت كل ما في الدنيا للمشاركة في أداء واجب الدفاع عن رسالة سيد المرسلين، وقدمت أعزائها قرابين في هذا السبيل وحملت الراية بعدهم، وتصيتها على مشارق الجبال ومفترق الطرقات، وسـوار سفن الخير، وتحملت في ذلك ما لا تتحملها الجبال الشاهقات.
كانت زينب عليها السلام ابنة علي أمير المؤمنين علي الذي كتب الدنيا على وجهها، ففعلت ما فعل أبوهـا وأكبـت الدنيا على وجهها، لأنها كانت تبحث عن رضا الله سبحانه وتعالى.
اضافةتعليق
التعليقات