ازدحمت الملائكة في ذلك البيت الذي أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا، ولما فتحت عينيها تلك المرأة التي أتعبها أنين المخاض رأت أربعاً من النساء يقفن حولها، نابتها إحداهن قائلة: لا تحزني ياخديجة فإنا رسل ربك اليك، ونحن أخواتك، أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثوم اخت موسی بن عمران بعثنا الله اليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء.. فمكثن عندها حتى وضعت تلك الحوراء الإنسية.. ليشرق نورها وينير كل ما حولها في الأرض، ولتستبشر الحور العين وأهل السموات بهذه الولادة. (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر).
لقد أطلت لحظات الميلاد، آن لفاطمة أن تتألق في السماء الدنيا، آن لحورية الأرض أن تولد.. أن تدب في الحياة لتبدأ رحـلة الـعـمـر فـي كـوكـب الـحـوادث.. فـي الكـوكـب المـفعم بالحياة.
قال الأب: لقد بشرني جبريل انها أنثى أماً لأحد عشر كوكباً.
وفي ذلك الصباح المفعم بالأنوار.. كانت حجرة خديجة زاخرة بالسلام هدوء وسكينة، وفرحة وانتظار، فاطمة تطرق أبواب الدنيا.
ولدت فاطمة ساجدة.. رافـعة أصبعها: إن الله واحـد لا شريك له، وظهرت حـوريات عشـر يـحملن الأباريق والمناديل البيضاء، وترقرت مياه الكوثر من أباريق الجـنة تسكـبها أيـادي بيضاء لفتيات لم يطمثهن انس ولا جان.
لقد ولدت فاطمة، وهي تحمل روح رسول الله وصفاته وكانت الوارث والشبيه. إذ لم يكن في الدنيا أحد يماثل الرسول في صفته وشمائله كفاطمة، ولقد لفتت هذه العلاقة والرابطة بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابنته فاطمة أنظار الذين عايشوها، فتحدثوا عن ذلك الشـبه، وكرروا القـول فيه، فهذه عائشة تتحدث عن هذه العلاقة والرابطة الجسدية والروحية والأخلاقية بين رسول الله (ص) وابنته فاطمة فتقول: من «ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله ( ص ) ، في قيامها وقعودها، من فاطمة بنت رسول الله ( ص ) . قالت : وكانت إذا دخلت على النبي ( ص ) قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسه ، وكان النبي ( ص ) إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسَها).
لقد ملأت فاطمة بيت الأبوين رسول الله ( ص ) ، وزوجته خديجة بالبهجة والسرور، فهي ملتقى الحب بينهما ، وثمرة العلاقة الوديّة في حياتهما ، وفرع النبوة الشامخ ، وظله المستطيل ، ومستودع نور النبوة المتقلب في أصلاب الساجدين ، فحق لهذا البيت أن يزهو بمناغاة فاطمة ، ويمتلىء سروراً بابتساماتها المشرقة الوليدة.
فاطمة هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، في الدنيا والآخرة ، كما تشهد بذلك آية التطهير وحديث الكسـاء وأصحابه الخمسة : المصطفى والمرتضى وإبناهما وفاطمة . فاطمـة هي التي حقيقتها حقيقة ليلة القدر ، فمن عرفها حق المعرفة فقد أدرك ليلة القدر ، وسميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن كنه معرفتها . ولها خصائص قد اسـتخرجها بعضهـم من الروايات الشـريفة ، وهـي تدل على الأمور الغيبية في تكوينها وفي حياتها الملكية والملكوتية ، فإنها :
1. أول بنت تكلمت في بطن أمها .
٢. أول مولودة أنثى سجدت لله عند ولادتها
3. أم أبيها
4. شرافتها العنصرية ، فهي الحوراء الإنسية .
5. اشـتقاق اسمها من اسـم الله الفاطر سبحانه وتعالى .
6. رشدها الخاص .
7. أنها من أصحاب الكساء .
8. الإمام المهدي المنتظر ( عجل ) من ولدها .
۹. ذريتهـا لا يدخلون النـار ولا يموتون كفار والنظر إليهم عبادة .
١٠. لم يكن لها كفو من الرجال آدم ومن دونه الا الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام.
۱۱ ، هي ليلة القدر .
۱۲. فطم الخلق عن معرفتها .
۱۳ ، على معرفتها دارت القرون الأولى .
14. كتب اسمها على العرش .
15 , تحضر الوفاة لكل مؤمن ومؤمنة
١٦. لها ولادة خاصة .
17. ينفع حبها في مئة موطن
۱۸. نجـاة شـيعتها بيدهـا المباركـة ، وتجلـي الشفاعة الفاطمية يوم القيامة .
۱۹ ، زيارتها وحجيتها على الأئمة الأطهار .
٢٠.في خلقتها النورية تساوي النبي .
٢١.إنها مجمع النورين النبوي والعلوي.
٢٢.إنهـا مفروضـة الطاعـة المطلقـة على كل الخلائق .
٢٣.هي العصمة الكبرى والطهارة العظمى .
٢٤ .اسمها المبارك ( فاطمة ) يوجب الغني .
٢٥. هي النسلة الميمونة والمباركة .
٢٦.زواجها كان في السماء قبل الأرض .
۲۷ .حديث اللوح .
۲۸.تسبيحها وآثاره .
٢٩.يفتخر الله بعبادتها على الملائكة .
٣٠.إقرار الأنبياء والأوصياء بفضلها ومحبتها .
۳۱. يشم منها رائحة الجنة .
٣٢.الوحيدة التي قبّل النبي يدها .
۳۳.هدية الله لنبيه .
٣٤ .خير نسـاء العالمين من الأوليـن والآخرين .
٣٥.تبكي الملائكة لبكائها .
٣٦.وجوب الصلاة عليها كالنبي وآله .
۳۷.قرة عين الرسول .
۳۸.ثمرة فؤاد النبي.
٣٩.مهرها وصداقها
٤٠.أم الأئمة الأطهار
٤١. مصحف فاطمة.
٤٢ ، بحر النبوة .
٤٣. كوثر القرآن
٤٤. شـوق النبي للقائها وإنه يبدأ بها قبل السـفر كما يختم بها بعد السفر
٤٥. أول من يدخل الجنة .
٤٦. ظلامتها
اللهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها.
وتتألق فاطمة لتصبح سيدة المدينة لقد اكتمل البدر ، لندخل في الاروقة ونتعرف على بعض حياتها المليئة بالحب ، وفعلا ما أجمل الحياة الزوجية إذا كانت مفعمة بالانسجام بين الزوجين في التفكير والمبدأ والتوجه ، وإذا عم بينهما الاحترام والتقدير، كبيت السيدة فاطمة ( صلوات الله تعالى عليها ) وينطلق رسول الله ( ص) يعقد القران والبشر يغمر قلبه : « ( إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت بذاك ) . فقال علي : ( قد رضيت بذلك يا رسول الله ) » . وهكذ نزل القضاء وتطابقت الإرادات ، وتم عقد القرآن ، وزوج رسول الله ( ص ) فاطمة من علي، والسرور يطفح على وجهه والسعادة تملأ نفسه ، ويستقبل الإمام علي ( ع ) هذه الهدية الربانية بالشكر والثناء ، فيسجد لله شاكراً حين يخبره رسول الله ( ص ) بتزويجه فاطمة ( ع ) ، ويسمي رسول الله ( ص ) مهر فاطمة « أربعائة مثقال فضة ».
وهاهي الصديقة فاطمة الزهراء تضرب المثل الأعلى في موقفها فتكتب درساً بليغاً للمرأة المسلمة ، لذا خلد موقفها ، وعظم شأنها ، حـيث ذهبت قرون ، وقنت كنوز الذهب والفضة ، وباد أثاث الديباج والحرير ، ودرست قصور الرخام وزخارف العاج وخبا لمعان الجـواهـر والدرر ، وبلت أطواق اللؤلؤ والجواهر ، وعظمة علي باقية ، ومجد الزهراء يعلو فـوق كـل مجد وحديث زواجها أنشودة عذبة وذكرى عطرة على كل فم ، وحـياتها مع زوجـها مدرسة ورسالة تعلم الأجيال ، وترسم طريق الحياة العائلية السعيدة .
لقد زوج رسول الله ( ص ) فاطمة بمهر متواضع وأثث بيتها بما يعادل هذا المهر ، لتعرف الأجيال فناء المادة ، وتصاغر شأنها أمام القيم والمعاني الانسانية الرفيعة .
تسلم رسول الله ( ص ) دراهم المهر الزهيد من علي بن أبي طالب ( ع ) وأشرف بنفسه على تجهيز ابنته وإعداد بيتها المتواضع : في أثاثه ومحتواه ، العـظيم : في مجـده ومقامه.
وتثمر شجرة النبوة ، وتلد فاطمة الحسن ثم الحسين ( ع ) فيستقبلها رسول الله ( ص) کاستقباله لميلاد فاطمة ، ويسميها حسناً وحسيناً ، ويحتلان من نفسه موقع الولد الحبيب من قلب أبيه الحنون ، وتبدأ هذه العلاقة الأبوية والروحية بين رسول الله ( ص ) ، وبين الحسن والحسين من يوم الميلاد ، فهي علاقة النـبـوة بـالإمامة . وعلاقة حفظ الشريعة وقيادة الأمة . ـ بعد رسول الله ( ص ) ـ بالتبليغ والرسـالة فكانت هذه العلاقة علاقة نسب وروح ومبدا وهدف .
لقد كان لرسول الله ( ص ) ما أراد ، فقد ، فقد ترك ولداه الإمامان الحسن والحسين ( عليهما السلام ) . أثرهما البالغ على تاريخ هذه الأمة ، وقيادة روح اليقظة ، وتجديد شـباب الاسلام بالمعارضة ، والشهادة والدم الطاهر المعطاء ، في حياتها ، وبعد مماتها . فقد امتدت روح الحسين الشهيد ثورة عارمة في ضمير الأمة الاسلامية ، وقوة محركة لركودها واستكانتها ، ) . ثم ولدت فاطمة بعد الحسين ( ع ) زينب الكبرى ( ع) بطلة كربلاء ، وشريكة الحسين ( ع ) في جهاده وبطولته ، وكانت ولادتها المباركة في اليوم الخامس عشر من شهر جمادى الاولى ، فرقت البشرى إلى رسول الله ( ص ) ، فاتجه إلى ابنته فاطمة يشاركها فرحتها وسرورها . وأتى مهنئاً إلى بيتها ، وسمى المولودة الجديدة « زینب » فحملت زينب هذا الاسم الوسام ليلمع عنواناً بارزاً في جهاد الحسين وملحمة كربلاء ومأساة أهل البيت عليهم السلام .وبعد رحلة العطاء للسيدة الزهراء تودع الدنيا بكل مافيها من ويلات وعذابي، وفي تلك اللحظات انتهت آلام فاطمة لقد رحلت إلى دار السلام .
وتركت لشيعتها الشفاعة ...
عن محمد بن مسلم الثقفي قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول لفاطمة عليها السلام :
وقفةٌ على باب جهنم ، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار ، فتقرأ فاطمة بين عينيه محباً فتقول: إلهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار ، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد. فيقول الله عز وجل: صدقت يا فاطمة إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار ، ووعدي الحق ، وأنا لا أخلف الميعاد ، وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك ، وليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني ، ومكانتك عندي ، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فخذي بيده وأدخليه الجنة. فسلام عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية صلوات الله عليها.
اضافةتعليق
التعليقات