لا شكَ أنَّ الإنسانَ برحلةِ الحياة الشّاقة التي تعُجُّ بالهمومِ والمشكِلات والمُغريات والمسالك بحاجة إلى نوعٍ معينٍ من الروابط الروحية التي من شَأنِها أن تُسيِّرَ النفسَ نحوَ الهُدى، خاصّةً مع زِحامِ المُعْطَياتِ الحياتية التي يمكن أن تقوم هيَ بهذا الدور إذا ما تَحَكّمنا بها، ولا يَجِدُ المؤمنُ أطهَرَ وأرقى وأنقى منَ الارتباطِ بإمام الزمان، ألَسْنا كبقيّة الأفراد الذين عاشوا في كَنَفِ ورِعاية إِمامِ زمانهم كُلٍّ في عصره؟! ألا يَحِقُّ لنا بل يجبُ علينا أن نسمو مع سمو وُجوده الشريف؟!
هذهِ مسؤوليةٌ كبرى تقَعُ على عاتِقِ كُلٍّ منا، نحن نأتي إلى هذه الحياة نحيا ونأكل ونشرب ونقوم بكافة الممارسات اليومية كي نمضي بالنهاية هكذا بأرواحٍ خاوية؟!
وقِفوهُم إنّهُم مسؤولون (١) في ذلك اليوم المشهود سنقف ونُسْأل ويأتي لنا الخطاب أوَلم نُعمّركم (2).
فيمَ أمضينا ذلكَ العُمر؟! لا خِلاف على أنّ خلق هذه الرابطة السامية ليس بِالأمر السهل، ولكن الله لم يأتِ بنا لهذه الدنيا ويجعل لنا خليفة له في أرضهِ عبثاً، ونحنُ نستشعر ذلك متى ما رأينا وأيقنّا ما لتلكَ العلاقة من الأثر العجيب على النّفسِ والحياة، وإنَّ ذلكَ لا يُنالُ إلا بالعمل والإخلاص والإرادة النابعة من قَلبٍ صادقٍ، وهذا الارتباط الغير عادي يوجِبُ التوفيق، ويوجبُ عنايَةَ الإمامِ بنا، وهنيئا لمن يَحُفّه المولى بتلكَ العناية، فيُولّد ذلك الارتباط آثاراً عجيبة على الحياة يذهل منها العقل، فهيَ مفتاحٌ لكثير من البركات، حتى يصلَ المؤمنُ إلى مرتبةِ وجَعلني مُباركاً (٣)، فيتحقق الوعد الإلهي هذا عَطاؤُنا (4).
(كُلّما كان الإنسانُ أكثرَ طُهراً ونقاءً وابتعاداً عن الذنوب، كلّما استفاد من وجود الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف أكثر) (٥).
ثُمَّ إنّ هذه العناية وهذه الرعاية وهذا التوفيق يسوقُنا إلى الخيرات والبركات، تتجلى آثارها وعلائمها في التوفيق لبناء المساجد أو الحسينيات، والتوفيق لحضور مجالس الذكر وإحياء أمرِ أهل البيت، وتجعَلُ من المؤمنِ إنساناً جديداً يرى الأمورَ ليس كما كان يراها من قبل، يُفكّرُ بأشياءَ ما كانت قد حضَرَتْهُ من قبل، ويتعاملُ مع مُشْكِلاتِ الحياة ليسَ كأيِّ إنسانٍ عاديّ، وتُفتحُ له أبوابَ ومغاليقَ من حيثُ لا يحتسب، هُناكَ يَدٌّ خفيّةٌ حنونَةٌ مُبارَكَةٌ طاهرةٌ نورانيّة تُسيِّرُ حياته، إذ لولاها لساخَتِ الأرضُ بأهلها، وغيرها من توافيق إلهية خاصة، وهذا بحد ذاته يَعْدلُ الدّنيا ومافيها .
إذا كانَ لنا عقلاً مُتَفَكّراً فسنستشفُّ ذلِكَ من عظمةِ رُقية بنت الحسين عليهما السلام، لماذا أصبحت ذات خصوصية من بين بنات الحسين، فالحسين لديه الكثير من البنات، لماذا (رُقيّة) تحديداً؟! إذا تبحّرنا بالبحث نجد رأي العلماء بأنَ ذلكَ السّر يكمن بخصوصية علاقتها بإمام زمانها، وتجَلّى ذلكَ لنا في ملحمةِ كربلاء .
الإمام موجود، وعنايته موجودة، ورعايتهُ موجودة، ولكن أينَ نحن من كلّ ذلك؟ ماذا فعلنا حتى نَترَعْرَعَ في أحضانها؟ ما نصيبُ الإمام والتفكّر بأمر الإمام والدعاء للإمام والعمل على طاعة ورضا الإمام ولقاء الإمام، مانصيب كلّ ذلك من ساعاتِنا وأيامنا؟!
(بِنفسي أنتَ من نازِحٍ ما نَزَحَ عنّا) (٦).
----------------------------------
١) سورة الصافات) (٢٤)
٢) سورة فاطر) (٣٧)
٣) سورة مريم) (٣١)
٤)سورة ص) (٣٩)
٥) اقتباسات من كلام آية الله الشهيد السيد محمد رضا الشيرازي) .
٦) دعاء الندبة)
اضافةتعليق
التعليقات