سُئل الإمام العسكري (عليه السلام) عن الحجة والإمام بعده؟ فقال: ابني (م ح م د)، وهو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقاتون،...](١).
هنا بَعد أن أجاب الإمام العسكري (عليه السلام) من هو الحجة من بعده، بَيَن خطورة أثر الاعتقاد بالإمامة وارتباطها بحُسن الخاتمة التي يَتطلع لها كل مؤمن بيوم المعاد، يوم يحكم فيه تعالى بين العباد، وكيف إن معرفة الإنسان بحجة زمانه مفتاح لنجاته لينتقل لذلك العالم وهو على بصيرة من أمره، إذ تم ذكر ثلاثة مفاتيح هي:
أولاً: المعرفة تزيل الحيرة في زمن الغيبة
قال (عليه السلام): [أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون]، الإمام هنا يؤسس لأول قاعدة معرفية حول من سيتولى أمر الإمامة من بعده، وهي قاعدة اليقين بوجود حجة من بعده، وإن كان غير ظاهر للعيان، ويصعب لقائه، ورؤيته، والأخذ منه بالمباشر.
إذ إن الحيرة هنا -كما يذكر الإمام- تنشأ من الجهل بحقيقة الوعد الإلهي، وهو أن لا يُخلي الأرض من حجة، ولا يترك أهلها من دون سلطان وولي مَبعوث من عنده (جل وعلا)؛ يتولى شؤونهم، ويكون واسطة للفيض النازل إليهم، ووسيلة لهدايتهم، وإن كان مستورًا.
لذا ترسيخ هذه المعرفة توصل المُنتَظِر إلى اليقين على المستوى الايماني/العقائدي، وعلى المستوى الاطمئنان/الأمن النفسي؛ فيكون سيره الى الله تعالى مستقرًا، وفي ثباته على ولاية إمام الحق، وترقبه لتحقق وعد ظهوره بعد غيبته متحققًا.
ثانياً: التحلي بالأمل منجاة
ثم قال(عليه السلام): [ويهلك فيها المبطلون]، إذ إن قضية وجود إمام مغيب سيَظهر في يوم ما وبأمر من الله تعالى، ليَحكم بحكمه(تعالى)، وليحيّ سننه وشرائعه بين الناس، لَهو أمل كل مُوحِدٍ مؤمنٍ يعيش في زمن الغيبة.
وبالمقابل إن الذي لا يَعيش وفق هذا التصور وهذه النَظر التفاؤلية للمُستقبل، يكون يائس من أن هناك قادم جميل وطيب ينتظر البشرية، بل ويثبط القائلين المؤمنين بذلك! هو مُستنزف شعوريًا، وميت وجدانيًا على مستوى حياتيه الدنيوية التي هو فيها، وهو هالك ختامًا، إذ لا دافع كدافع الأمل والرجاء بالله تعالى والارتباط بولي العصر والزمان للعمل بالصورة التي تنجِ وتجعل الإنسان متزود خير زاد للأخرة ، لذا فالمعرفة بهذه الحقيقة فيها بلوغ سعادة الدارين.
ثانياً: عدم التصديق بالمُوَقِتين فيه تثبيت القلب على الإيمان
وقال (عليه السلام): [ويكذب فيها الوقاتون]، إن الذي يُعطي وقت محدد لظهور الإمام(عج) فهو-غالبًا- مُدعي يُريد منفعة دنيوية ممن دَفَعه لمثل ذلك، ومُبغض يُريد أن يُنفِر الناس وييأسهم من صدق تحقق الظهور، وجاهلاً بأوامر ونواهي أهل البيت (عليهم السلام) التي منها النهي عن التوقيت.
إذ إن خطورة الإصغاء لأكاذيب هؤلاء تكمن في أنهم يستغلون عدم إحاطة كثير من المنتظرين بكيفية الربط بين أحداث ووقائع تحقيق الفرج، وكيفية التعامل مع علامات الظهور فيُسخروها لادعاءاتهم، فإن لم تتحقق وفق ما حددوا أو تحققت ولم يحصل الظهور، يبدأ المتلقي بالشك بصدق هذه الأخبار والعلامات، فيَقع بِشِباك الحرب النفسية التي قد توصله لنتيجة أنه يعيش على أمل كاذب! وشيئا فشيئا يترك حتى إيمانه بالإمام فيموت ميتة جاهلية!.
لذا فمن أهم المقومات المعرفية للمُنتظر هي إدراكه أن عدم التوقيت له حكمة - كوجه من أوجه حكمة عدم تحديد وقت موت الإنسان مثلاً- وذلك لجعله في حالة سعي وتهيؤ دائم، متى ما تحقق الظهور الشريف هو مستعد لأداء تكليفه تجاه إمامه، وأن توقيت ظهور الإمام (عج) بعد غيبته هو أمر سماوي مرتبط بتقدير الله تعالى، وإرادته، فيكون بذلك قد حَسَم موقفه من أمثال هؤلاء(الموقتون)، ومُسلم ومرتقب لأمر مولاه.
-------
اضافةتعليق
التعليقات