نحن ندرك حقيقة إن الذي يقترب من شعلة النور لابد أن ينعكس عليه شيء من ضياءها، فكيف إذا كان الاقتراب والارتباط بمصدر النور الالهي؟ أليس هذا موجب لتحقق هذه الحقيقة بشكل أكبر؟
إذ إن الإنسانة التي تؤمن بأن لها إمام تأتم به، وإنها تحت قيادته، لابد أن يكون فيها وجه أو أوجه شبه منه، وإلا فهي لم تبلغ القيمة الحقيقية من ارتباطها به (صلوات الله عليه)، وهذا مطلب لابد أن نسعى إليه جميعا.
ومن أوجه الشبه التي يمكن تحصيلها هي ما ورد في ذكر امامنا المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في دعاء الندبة بقولنا: [أَيْنَ صَدْرُ الخَلائِقِ ذُو البِرِّ وَالتَّقْوى]، فما يُمكن أن نَصل إلى فهمهِ إن الأثار المترتبة على أن تكون الانسانة المهدوية تحمل شيء من سعة صدر إمامها(عجل الله تعالى فرجه) الذي يسع كل الخلائق، هي أنها تسعى أن تكون ذات صدر واسع ورحب، ومفتاح ذاك -كما بينت لنا الفقرة-أن تكون من أهل البر والتقوى.
إذ يمكن أن نُعرف البِر والتقوى على إنهما كل معروف يُبذل على المستوى العام (أي لمن حولها، وضمن دائرة مسؤولياتها)، وكل معروف يُصنع على المستوى الخاص، فلا يضيق صدرها من أداء العبادات والطاعات التي بينها وبين ربها، وكذلك القربات على مستوى نفع عباد الله تعالى بل تؤديها بصبر جميل ورضا، ولا تتبعه بمَنّة ولا أذى.
كما إن التسلسل في العبائر بلا شك لا يخلو من علة وفيه إشارات عملية تنفعنا، لتحصيل هاتين الفضيلتين (البر والتقوى) كما نجد في آيات كتاب الله العزيز التي قد وردا بنفس التسلسل كما في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى...}(٢)، ولعل الإشارة هنا إن السلوك المُتبع في الميدان العملي مع الآخرين كاشف عن حقيقة باطن تلك النفس.
بينما نرى أن المسألة انعكست في النهي عن التعاون السلبي في تتمة الآية: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ}(المائدة:٢)، إذ بدأت بالانضباط والتهذيب النفسي الداخلي لتحقق السلوك المنضبط الخارجي من ألفة ومحبة.
فقُدم النهي عن التعاون المذموم (الإثم) لكي تُحصن النفس من فعل العدوان، بينما في الحث على التعاون الممدوح لابد أن يدخل الإنسان الميدان العملي ويمارس البر لكي يتحقق من صدق امتلاكه للتقوى، ومن ثم يتدرج في ترسيخها في داخله كملكة حسنى ثابتة.
وهكذا تترقى النفس المهدوية، وتصبح ذات سعة أكبر، فلا تكتفي بفعل البر وتَقدِيم الخير لمن يقصدها بل ستكون من أهل السبق والمسارعة قبل أن يُطلب منها، وقبل أن تُقصد فتحقق بذلك جوهر معاني التقوى.
والتي منها "الوقائية" بمعنى الاحاطة، فالأم مثلاً تكون ممن تحتوي أهل بيتها قبل أن يعيشوا فراغاً أو نقصاً، فتَقيهم من البحث عن البدائل الخاطئة، وكذلك من معاني التقوى "الرقابة" فهي تسعى لتضفي جو البهجة لتزيل هموم الآخرين بمراقبتها الحانية لأحوالهم، فإن رأت علائم الحزن على أحدهم ازالتها، وإن رأت دلائل الضيق فيهم رفعتها.
بالنتيجة هذه مرتبة ليست هينة، ولكنها تحتاج إلى درجة قرب وتوسل والتجاء أعلى بولي الأمر (عجل الله تعالى فرجه) لتنالها المهدوية، فتكون من أعوان إمامها في غيبته، ووجه من أوجه رحمته وشفقته ورئفته لأتباعه.
اضافةتعليق
التعليقات