بعد أن عمَّ حياته الهدوء اعتاد أن يستيقظ على صوت الأميال المتسارعة في ساعته الجدارية التي تجري أميالها وحده تلو الأخرى، يتقدم عقرب الدقائق ليدرك عقرب الساعات ويسبقهم ميل الثواني بحركته الدائرية المتواصلة، هكذا وقته يمضي فيتحسسه بالصوت الذي يصله لأنه اعتاد أن يستخدم حاسة واحدة فقط ألا وهي السمع.
صوت الرعد الذي أفزعه من نومه والظلام المحيط به جعله يترقب الساعة فاقترب منها بخوف ليرى كم بقي ليستلقي في سريره هرباً من الدوي الذي أحاطه، مد يده المرتجفة ليلتقطها بعد أن لفظ بصعوبة أنفاسه المرتجفة ليجعلها نصب عينيه، صمت مبهم سكن أركانه لبرهة ليقطع تلك اللحظات صوت الرعد من جديد يخبره بالاستمرارية، على عكس الساعة التي خدعته حركتها المترددة بالمضي إلا أنها في حقيقة الأمر متوقفة على الساعة الثانية صباحاً عندما سكنه ذلك الهدوء حينها توقف الوقت في أيامه وأن النهار قد لاح والشمس لم يتبقى لها الكثير لتستلقي على فراش الظلام.
تدور عجلة الحياة دون أن تنتظر أحد وتمضي أيامه بما حملت من الآلام والأفراح لتترك ماحصل في صفحاتها، حيث أن أغلب الناس يقفون عند موقف معين قد حصل في حياتهم فينصبون مأتماً طوال فترة عيشهم ويسدلون ستائر النور على عيونهم فلا يبصرون إلا ما تمليه عليه مشاعرهم في عتمة انزعاجهم، فمنهم من يفقد أحد أحبائه فيرغب بالعزلة الأبدية ويشعر بأن الوقت قد توقف في لحظة الفقد تلك، ومنهم من يفشل في تحقيق نجاح أو ربح أو لقيام بأمر يهم حياته فيرى أن هذا الفشل قد طعنه في قلبه وأنه قد فارق حياة الأمل ليعيش في مقبرة الاكتئاب لا ترضيه النعم التعويضية من رب العالمين ولا يريد رؤيتها لأنه قد ضغط على زر الايقاف لجميع الحواس لديه وترك الذاكرة فقط تعمل لأن أوهامه تخبره بأن حياته رهن تلك اللحظات المخزونه في ذاكرته.
لكن البعض رغم الصعاب التي تعتريه إلا إن إيمانه بنفسه يجعله ينهض من سقوطه ويحاول مواصلة سباق الحياة ليحقق فوزاً ينحي استسلامه جانباً، فالمتفائل هو الذي يرى الفرص في كل عثرة أمامه لتجعله أصعب وأقوى من الأول، لأن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الانسان خلق فيه الضعف والقوة أيضاً، بحيث عندما يغلق الله باباً للانسان في مجال فإنه في الوقت ذاته يفتح باباً آخر في مجال آخر، يأتي على هيئة تعويض يكتب له عما فقده، لكن بعض الناس يضيعون تلك الفرص لأنهم يخسرون وقتهم وجهدهم بالتفكير واطلاق الحسرات على ذلك الباب الذي أوصد في لحظة ما.
فالركود في مستنقع الذكريات يحطم خلايا العقل الدقيقة ويرسم الإرهاق في صور متعددة ويقضي على المشاعر الإيجابية التي يمتلكها الفرد ليجرده منها في لحظة صمت لذكريات مرت على قلب قد أشقى بأمر حدث له بحسبان أو دونه فأصبح لما ولد عن ذلك الصمت المدمر لشغاف القلب أسير في لحظاته فتعرض في ذاكرته كأنها فيديو مسجل كلما هاجمه الصمت واستدعته الوحدة للإتيان.
متغافلين عن قوله تعالى في كتابه الكريم: "فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا"، ذلك التأكيد الذي كرره مرتين ليخبرنا أن نترقب الفرج بعد الشدة ليرى عباده أنه قادراً على كل شيء، وإن العسر لا يأتي دون فرج فهو ملازم له وإن بعد كل أزمة تمر في حياتنا ما هي إلا مقدمة للفرج الإلهي القادم فلا تقتلوا آمالكم بأزمة صغيرة قد تمر وتصبح في غياهب النسيان وترقبوا فرجاً من رب كريم.
اضافةتعليق
التعليقات