في الآية الشريفة التي نقرأها كل يوم على الأقل عشر مرات في الصلوات، والكثير يقرأها في النوافل وغيرها مراراً فإن الذي يدعو بهذا الدعاء: "اهدنا الصراط المستقيم"، لو كان هو الكافر لصح منه ومن الضال عن الامامة مثلاً، لكن كيف يقرأها ويتلوها ويدعو بها المهتدي إلى الصراط المستقيم؟.
ذلك أن المفروض أن المؤمن بأصول الدين بدءاً بالتوحيد ومرورا بالعدل والنبوة والامامة ووصولاً للمعاد هو مهدي للصراط المستقيم البتة، فكيف يدعو هذا الانسان ويسأل من الله تعالى بأن يهديه إلى الصراط المستقيم؟.
بل إن هذا الدعاء يدعو به وهذه الآية يقرأها حتى الأولياء بل وحتى الأئمة ورسول الله صلى الله عليه وآله، ودعاؤهم حقيقي وليس مجرد لقلقة لسان أو صورة دعاء، فما هو اذاً معنى هذا الطلب والذي يجب علينا وعلى جميع المسلمين والمؤمنين أن نكرره كل يوم في الصلوات الخمس؟ وكيف يمكن حل المعضلة؟.
هنالك ستة أجوبة مفتاحية جوهرية رئيسية ومصيرية أيضاً:
أولاً: طلب الهداية في مرحلة العلة المبقية
ان "اهدنا الصراط المستقيم"، هو دعاء وطلب للهداية في مرحلة العلة المبقية والمراد طلب الديمومة والاستمرارية في البقاء على الصراط المستقيم وليس الكلام عن العِلة المحدثة فإنها الحاصلة أما المبقية فغير حاصلة لذا احتاجت إلى طلب ودعاء وإلحاح.
ثانياً: طلب الهداية إلى الدرجات العليا
المراد ب" اهدنا الصراط المستقيم" الهداية إلى الدرجات العليا من المعرفة والورع والتقوى والطاعة وذلك قد ورد في العديد من الروايات تفسير الصراط المستقيم ب (المعرفة) أو الطريق إلى المعرفة أو شبه ذلك.
ففي تفسير القمي عن الامام الصادق عليه السلام "الطريق معرفة الامام" و"المعرفة" حقيقة تشكيكية ذات مراتب وكذلك التقوى والورع والطاعة أيضاً هي الأخرى أنواع ومراتب فكل مرتبة عليا هي صراط مستقيم وكما قيل "أول العلم معرفة الجبار وآخر العلم تفويض الأمر إليه".
والمعرفة تشير إلى العقل النظري والتفويض يرتبط بالعقل العملي، ومن الواضح اختلاف مراتب معرفة الله تعالى كما أن الناس في تفويض أمورهم إليه على درجات ومراتب أيضاً.
ثالثاً: طلب الهداية التكوينية
إننا عندما نكرر "اهدنا الصراط المستقيم" فإننا نطلب من الله تعالى الهداية التكوينية بعد الهداية التشريعية، أي اننا بعد الاهتداء إلى طريق الحق وتمييزه عن الباطل وإلى الواجب والحرام والهدى والضلال، نطلب أن يتفضل الرب علينا بالهداية التكوينية أيضاً، ومن تجليات الهداية التكوينية التوفيق عكس الخذلان.
رابعاً: الهداية في القضايا المستحدثة
إن المراد من "اهدنا الصراط المستقيم"، طلب الهداية في القضايا المستحدثة الأعم من التجليات المتجددة لمتعلقات الصراط بمعنى طلب الهداية إلى الصراط المستقيم قي الموضوعات المستحدثة والمصاديق المتجددة ونظائرها.
وليس المراد أن هنالك صراطات أُخرى وإن المراد بالآية الهداية إليها وذلك لبداهة إن الصراط واحد لا يتعدد ولا يتكرر فهو كلي منحصر بالفرد.
خامسا: الهداية في دائرة القيادة الاسلامية
إن القيادة هي أقرب الطرق إلى الجنة أو هي على العكس من ذلك أقرب الطرق الى النار وقد ورد في الحديث: "صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي واذا فسدا فسدت أمتي، قيل يارسول الله ؟ ومن هم؟ قال صلى الله عليه وآله: الفقهاء والأمراء".
هذا على القادة وأما عن الناس فالروايات كثيرة ومنها عن أبي جعفر قوله "من أصغى إلى ناطق فقد عبده".
فإذا أردنا الصراط المستقيم فعلينا أن نتبع "ساسة العباد وأركان البلاد" ثم إن القادة هم طيف واسع جداً.
سادساً: الهداية في دائرة المواقف
فإن الانسان يكون بأمس الحاجة إلى هداية الله تعالى وتسديده في كافة المواقف الصعبة خاصة المصيرية منها كالحكومات المستبدة الجائرة.
ويبقى هنالك تساؤل أرق الكثير من الباحثين في علم الكتابة والفلسفة على مر التاريخ هو أن الهداية هل هي فعل الله تعالى تكويناً أم فعل العبيد؟
إن تحقيق ذلك ينبني على مقدمة هامة وهي أن عطايا الله ومنحه للعباد على ثلاثة أقسام، مايمنحه للعبد دون توسط ومايمنحه له بواسطة مشيئته وارادته ومايكون مزيجاً بين الأمرين.
وأما الهداية فهي فعل الله ولا يمكننا هداية من أراد الله ضلالته..
اضافةتعليق
التعليقات