من يقرأ سطور حياته يذعن إن الكلمات تفقد قدراتها على شرح عظمته، يشعر الانسان أن حصيلته اللغوية ضئيلة جدا أمام جماله وشموخه فكيف يستطيع أحد أن يتكلم عن عظيم يقول الرسول صلى الله عليه وآله في حقه: يا علي لم يعرفك إلا الله وأنا..
إن لم يكن هناك أية كلمة تدل على عظمته وأي موقف يحكي بطولته فقول الرسول صلى الله عليه وآله هذا كان يكفي لبيان مقامه الرفيع، ولكن هناك أثر في كل خطوة وهناك آية في كل مكان، من الشرق إلى الغرب بل في السماوات والأرضين كل شيء يهتف باسمه وجُعل حبه ميزان الأعمال.
فليفعل الفاعل ما يريد.. ليصوم نهاره ويعبد ليله ليأتي بكل حسنة وصت بها الأديان فلا يمكنه الفرار من حكومة جبار الأرضين والسماوات فقد جعل الباري عزوجل حبه ميزان الأعمال ومن ترك ولايته خزي بالنار.
ورد عن ابن عباس انه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله أوصني، فقال: عليك بمودَّة علي بن أبي طالب، والذي بعثني بالحق نبيّاً لا يقبل الله من عبد حسنة حتى يسأله عن حبِّ عليّ بن أبي طالب وهو تعالى أعلم فإن جاءه بولايته قبل عمله على ما كان منه، وإن لم يأت بولايته لم يسأله عن شيء ثم أمر به إلى النار.
يا ابن عبّاس، والذي بعثني بالحقِّ نبيّاً إن النار لأشد غضباً على مبغض علىّ منها على من زعم أنَّ لله ولداً.
يا ابن عبّاس، لو أن الملائكة المقّربين والأنبياء المرسلين اجتمعوا على بغض عليّ ولن يفعلوا لعذّبهم الله بالنار.
قلت: يا رسول الله وهل يبغضه أحد؟
قال: يا ابن عبّاس نعم يبغضه قومٌ يذكرون إنهم من أُمّتي، لم يجعل الله لهم في الإسلام نصيباً، يا ابن عبّاس إن من علامة بغضهم له تفضيلهم من هو دونه عليه، والذي بعثني بالحق نبيّاً ما بعث الله نبيّاً اكرم عليه منّي، ولا وصيّاً أكرم عليه من وصيّي عليّ.
قال ابن عباس: فلم أزل له كما أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصاني بمودّته، وانه لأكبر عملي عندي.
قال ابن عباس: ثم مضى من الزمان ما مضى وحضرت رسول الله الوفاة حضرته فقلت: فداك ابي وامي يا رسول الله قد دنا أجلك فما تأمرني؟
فقال: يا ابن عبّاس خالف من خالف عليّاً ولا تكونن لهم ظهيراً ولا وليّاً.
قلت: يا رسول الله فلم لا تأمر الناس بترك مخالفته؟
فبكى (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أغمي عليه ثم قال: يا ابن عباس قد سبق فيهم علم ربي، والذي بعثني بالحق نبيّاً لا يخرج احد ممن خالفه وانكر حقّه من الدنيا حتى يغيِّر الله تعالى ما به من نعمة.
يا ابن عبّاس اذا أردت أن تلقى الله وهو عنك راض فاسلك طريقة عليّ بن أبي طالب، ومل معه حيث مال، وارض به اماماً، وعادِ من عاداه ووال من والاه.
يا ابن عباس احذر أن يدخلك شك فيه، فإن الشكّ في عليّ كفر*١
هناك روايات كثيرة تدل على عظمته وتحث على التمسك بولايته لو نغض البصر عن كل كراماته يكفينا درره التي بقيت في ثنايا الدهر لتلمع بين الحين والآخر وتذهل العقول ويبحثوا عن القائل وكيف كان ويفتتنوا به رغم البعد الزمني الذي يفصل بينهم وبينه ولو تمر آلاف السنين سيبقى وليد الكعبة على رأس قائمة العظماء.
يقول ابن أبي الحديد: وما أقول في رجل تحبه أهل الذمة على تكذيبهم بالنبوة، وتعظمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملة، وتصور ملوك الفرنج والروم صورته في بيعها وبيوت عباداتها، وتصور ملوك الترك والديلم صورته على أسيافها، وما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله، فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتحريف عليه ووضع المعايب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر، وتوعدوا مادحيه بل حبسوهم وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكراً، حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه، فما زاده ذلك إلا رفعة وسمواً، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه، وكلما كتم يتضوع نشره، وكالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار إن حجبت عنه عينا واحدة أدركته عيون كثيرة، وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة، وتنتهي إليه كل فرقة، وتتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها وأبو عذرها. *٢
سلام عليه يوم ولد في الكعبة، ويوم استشهد في محراب صلاته، ويوم يبعث ويفصل العالي من الداني، الموالي إلى الجنة والمعادي إلى النار بإذن ربه.
١-أمالي الشيخ : 64 و65 ، البحار 38 : 157 ح133 .
٢-شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/ 29 ، 17.
اضافةتعليق
التعليقات