ملايين البشر عاشوا على هذه الارض، أحدثوا ما احدثوا من آثار واعمال، بعضها رحل وانطوى مع رحيلهم، والبعض بقي سنوات قليلة بعدهم ثم اندثر، هذا هو حال اغلب الناس، إلا العلماء فالدنيا ابت الا تخليدهم وإبقاء ذكرهم ودوام نورهم لينير ظلمات الظلال، روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (هلك خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة).
وأحد هؤلاء العلماء، ممن بقي ذكره يصدح في الارجاء، وكلماته تهدي البشر الى خالق السماء، آية الله السيد محمد رضا الشيرازي رضوان الله تعالى عليه.
ولأن هذه الايام تتزامن مع الذكرى السنوية العاشرة على الرحيل المؤلم للمقدس الشيرازي ارتأيت ان انقل قبس من علومه وشذرات من كلماته المؤثرة عن فهم القرآن والتدبر فيه.
لقد قام القرآن بدور كبير قبل اربعة عشر قرناً من الزمن، فهل يستطيع ان يقوم بدور تغييري في هذا العصر أيضاً؟! ام انه قد تغيَّر، وانتهى مفعوله؟
- الحقيقة ان القرآن لم يتغيَّر، ولم يستنفذ أغراضه، فالقرآن لا يزال الكتاب الإلهي الذي هبط لإنقاذ البشرية، وهو يستطيع ان يقوم بدور في البناء الحضاري في الوقت الراهن. ولكن الذي تغيَّر هو المسلمون.
إن طريقة تعامل الأمة مع القرآن، وكيفية تلقيها لمفاهيمه ورؤاه تختلف اليوم وبشكل جذري عما كانت عليه بالأمس.
لقد كان المسلمون الأولون يفهمون القرآن كتاباً للحياة ومنهجاً للتطبيق والتنفيذ، أما مسلمون اليوم فهم يتعاملون مع القرآن بشكل معاكس تماماً.
لقد عانت أمتنا من مشاكل كثيرة في تعاملها مع القرآن الكريم، ولا زالت رواسب تلك المشاكل موجودة حتى الآن، فلننظر ماذا كانت تلك المشاكل؟
1. تحجيم التعامل: ويعني ذلك أن الأمة أخذت تحصر الاستفادة من القرآن في مجالات ضيقة ومحدودة، فالبعض اتخذ القرآن طريقاً للكسب، وباباً للارتزاق.
والبعض الآخر، اعتبره (صيدلية أدوية) فحسب، فإذا ضعف بصره، أو أوجعته أسنانه، هرول الى القرآن، ليتلو آيات معينة منه، حتى ترتفع بسببها هذا الأقسام، أما في غير هذه الحالة فلا شأن بالقرآن. وهناك مجموعات أخرى، لا تفتح القرآن إلا عند الاستخارة، او حين السفر، او عندما يموت أحد الأقرباء، وليس أكثر من ذلك.
وبالطبع، فإننا لا ننتقد الاستفادة من القرآن في هذه المجالات، وإنما ننتقد تحديد الاستفادة ضمن هذه الإطارات الضيقة، الصغيرة.
إن القرآن كتاب حياة، ولذلك فإنه يجب الانتفاع منه في كل مجالات الحياة، وليس في مجال او مجالين.
2. التلاوة السطحية: إن أمتنا تقرأ القرآن، وتستمع الى تلاوته، ولكن كحروف بلا معان، وكلمات بلا مفهوم، ومن هنا فإنها لا تعمل بالقرآن، كما هو المطلوب، لأنها لم تفهم القرآن، والفهم هو المقدمة الطبيعة للعمل بالشيء.
بينما كان المسلمون الأولون لا يقرأون آية، حتى يتفكروا في أبعادها المختلفة، وحتى يَعوها بشكل متكامل.
3. الفهم التجزيئي للقرآن: ويعني ذلك فهم القرآن بشكل تفكيكي، ينفصل بعضه عن البعض الآخر، وبعبارة أخرى فهم كل آية قرآنية وكأنها عالم مستقل قائم بذاته من دون ربط بالآيات الاخرى.
والكثير من الاساليب الخاطئة التي نتعامل بها مع القرآن.
في حين عندما نلقي نظرة سريعة على القرآن الكريم، نجد فيه دعوة صريحة للتدبر في آياته:
1. يؤكد القرآن أن الهدف من نزوله هو ان يتدبر الناس فيه (كتاب انزلناه إليك مُبارك ليدبروا آياته) وذلك لأن التدبر هو الطريق الطبيعي للعمل بما جاء في القرآن الكريم.
2. وفي سبيل الوصول الى هذه الغاية، جعل الله القرآن كتاباً بسيطاً، وميسراً للفهم، (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) ولأهمية هذا الامر يكرر القرآن هذه الآية الكريمة في سورة (القمر) أربع مرات.
3. ثم، يؤكد القرآن أن هناك (أقفالاً معينة) تغلق قلوب البشر، وتصرفهم عن التدبر في آياته،
(أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها).
ولكن ما هذه الاقفال؟
إنها اقفال الجهل والهوى والتهرب من المسؤوليات الثقيلة.
علينا ان نحطم هذه الأقفال، ونفتح قلوبنا أمام نور الله المضيء، عن طريق التدبر في الآيات القرآنية الكريمة.
اضافةتعليق
التعليقات