قباب تلمع ووجوه تضحك واناس تعمل من اول يومها بجد لتستعد لزواج ملكة الروم، لكن ما حصل هذه المرة كان كما حصل في المرة التي سبقتها فعندما أراد القس أن يعقد القران، حصل زلزال كبير اهتزت منه الأرض بشدّة، ووقعت الصلبان وتبعثرت الأواني والمناضد وتهشّم السرير الذي تجلس عليه ملكة الروم مليكة وابن عمها قائد جيش الروم، فجعلت تلك الحادثة القساوسة والرهبان تتنبأ بان هذا نذير شؤم يدل على زوال الدين المسيحي قريبا.
لم تكن مليكة حزينة كما يظن الناس بالعكس فقد خيم الفرح والسرور على قلبها، فقربها من الله جعلها تعلم انه عز وجل سيمنحها ما هو افضل، وقد كانت تعلم ان ابن عمها لم يكن مناسبا بالنسبة لها فهي كانت اشبه ما تكون بالراهبة من كثرة تعبّدها وتعلّقها بالله، وكان ابن عمها على العكس منها.
اسدلت عيناها واستسلمت لنوم عميق، فرأت تلك الليلة في منامها ان رسول الله صلى الله عليه واله مع امير المؤمنين (عليه السلام) قد جاء الى قصرها وتقدم لخطبتها من عيسى (عليه السلام) بحضور وصي عيسى شمعون والحواريين، لابنه الامام الحسن العسكري عليه السلام، وقد وافق عيسى عليه السلام على هذا الشرف العظيم فخطبت في تلك الليلة المباركة وعقد قرانها على الامام الحسن العسكري.
تمر الأيام ولم تلقَ زيارة من الامام فيزداد حزنها بسبب عدم تشرّفها برؤيته ويزداد قلبها شوقا للقائه.
تزورها مريم وفاطمة الزهراء (عليهما السلام) في منامها فتشتكي للزهراء (عليها السلام) من عدم زيارة الامام لها، فتخبرها عليها السلام بانها متى ما اسلمت فسيزورها الامام في منامها، فتسلم مليكة في تلك اللحظة، فيبدأ الامام بزيارتها في كل يوم.
تمر الأيام ومليكة تترقب اللقاء الحقيقي الذي يجمع شملها مع الامام كما وعدها، وها قد اقترب الموعد، ففي احدى الليالي زارها الامام الحسن العسكري واخبرها بان جدها سيرسل جيشا لمحاربة المسلمين وامرها ان تذهب مع العسكر متنكرة بزي الخدم وبعد ان ينتصر المسلمون سوف تُأخذ أسيرة معهم.
وبالفعل أُخذت أسيرة وجيء بها الى سوق الاماء والعبيد في بغداد لتباع في السوق.
مليكة تترقب عيناها الطريق، تناجي ربها ان لا تباع في هذه الأوقات وتتوسل الى مالكها ان ينتظر قليلا، فسياتي الشخص المناسب لشرائها بعد قليل.
كيف زُرعت هذه الثقة في قلبها لتجيء من اقصى الأرض الى سامراء كخادمة وهي ابنة ملك الروم؟ واي حب صادق للامام قد احتواه قلبها؟ كيف وصلت لهذه المرحلة من النقاء لتكون احلامها كواقع على الأرض بحقيقتها وتحققها؟ كيف وصلت بعبادتها الى درجة من الروحانية جعلتها تشاهد الأنبياء والائمة في منامها فيخبروها بما سيحصل وماذا تفعل؟
ثم وصل بشر بن سليمان من سامراء يحمل الرسالة من الامام الهادي الى مليكة، واشتراها من الرجل مقابل صرة من النقود قد أعطاه إياها الامام الهادي (عليه السلام).
أهذا ما كانت تنتظره؟؟... تقبّل الرسالة التي كتبها الامام (عليه السلام) باللغة الرومية تحمد الله على ماهي فيه، وتترقب الوصول الى منزل الامام لتكون زوجة الامام الحسن العسكري.
وبعد ان وصلت الى سرّ من رأى، دخلت على أبي الحسن العسكري فقال لها: اني أحب ان أكرمكِ فأيهما أحب اليكِ عشرة ألاف درهم أم بُشرى اليكِ في شرف الأبـد؟ قالت: بل البُشرى، قال فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلا، كما ملئت جوراً وظلماً، قالت: ممن؟ قال: ممن خطبكِ له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة كذا، من شهر كـذا، من سنة كذا بالرومية، قالت: من المسيح أو وصيه ؟ قال: فمن زوجكِ المسيح أو وصيه قالت هل أسم أبنك أبي محمد ؟ قال: فهل تعرفينه ؟ قالت: فهل خلت ليلة من زيارته اياي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يـد سيدة نساء العـالميـن أمهُ ؟ فقال أبو الحسن(ع): يا كافور، أدعِ لي أختي حكيمة فلما دخلت عليـه قال لها: ها هي، فاعتنقتها أخته طويلاً وسألت بها كثيراً فقال مولانا: يا بنت رسول الله أخرجيها الى منزلكِ وعلميها الفرائض والسنن، فأنها زوجة أبي محمد وأم القائم(عليهما السلام). فتزوجت بالإمام الحسن العسكري وولدت له الامام المنتظر في يوم النصف من شعبان بمعجزة اشبه بمعجزة زواجها وقدومها من ارض الروم لتشرق الأرض بطلعته البهية ولتتناثر الافراح بقدومه، ولتبقى الامة مترقبة لظهوره.
اضافةتعليق
التعليقات