في البداية نتساءل ما هي الكراهية؟!
هل سبق أن كرهت أحداً يوماً؟ هل كرهته الى حدٍ بأن قمت بالدعاء ضده؟ ما الذي فعله لك لترميه بسهام الكراهية المسمومة؟ وماذا ستحصد أنت من هذه الكراهية؟
هذه أسئلة مشروعة تحتاج الى أسئلة ممن يتخذ من الكراهية أسلوبا في التعامل مع الآخرين.
إن الكراهية صفة سوداء قاتمة لو استحوذت على القلب أرْدَته وأرْدَت العقل معه، لأنها عبء أثقل من أن يتم تحمله، فطاقتها كطاقة العشق قوية جداً وجاذبة، لكن بشكل مختلف ومتناقض عكس العشق تماماً.
الكراهية تأتي من البغض الشديد لشخص أو مكان أو شيئ.. فتلتهم العقل الباطن وتغطيه بالسلبيات وتجذب كل ما تكرهه بعلمك أو بغير علمك فتؤذيك وتؤثر بذلك على حياتك.
ولذلك سُميت بمرض "طاعون المشاعر".
فلو كرهت شخصاً أو أمراً آخراً فأنت بذلك الكره تعطيه الطاقة والقوة ليسيطر على حياتك، إذ أنك تجعل صورته لا تفارق ذهنك، فينشغل تفكيرك به حتى وإن لم تلاحظ ذلك في قرارة نفسك لكنه تملكك واستحوذ على عقلك الباطن، وبما أن العقل الباطن هو مركز القوة في جسم الإنسان سوف تجذب الأشخاص والأماكن والأشياء وكل ما تكرهه منهم إليك.
في مجال علم التنمية البشرية يقول علماء التنمية أنه في قانون الجذب لأي أمرٍ من الأمور إذا انشغل عقلك الباطن بالتفكير بأمر تحبه أو تكرهه فإنك تبعث اتجاهه إشعاعات وطاقات قوية جداً كالمغناطيس فينجذب اليك لا محالة، لأن كلا الحالتين لهما القوة الخارقة لجذب الأشخاص والأماكن والأشياء.
وهنالك نوعان أساسيان في الكراهية؛ النوع الأول: (الكراهية النابعة من الظلم) فتأتي من ممارسة الظلم من أحدٍ لك أو لأحبائك، فتكرهه.
والنوع الثاني (الكراهية النابعة من الأنانية) فالشخص الأناني الذي لا يتحمل أن يرى غيره أعلى أو أفضل أو أسعد منه يبتلى بداء الكراهية من النوع الثاني ونجد أنّ مجتمعاتنا مليئة بهذا النوع من الكره المرضي حيث يصيب الأمم وينتشر انتشاراً طاعونياً.
فالكره الذي يعتمد على الأنانية في جوهر هذا الشخص خوف مبني على الضعف فهو انسان جبان لا حول له ولا قوة إذ أنه لو كان يثق بنفسه وبقدراته لما ابتلى بهذا المرض ولسعى لأن يطور نفسه وينجح ليرتقي ويرتقي.. فالإنسان عندما يكره شخصاً بمجرد النظر إليه يتعذب روحياً وتتعب نفسيته ويشعر بالإنزعاج والغضب، فيتجاهله ويحاول تجنبه كما لو أن ليس له وجود على الإطلاق..
إنه أحساس مرُّ بالحق!
فترى نفسك تنفعل وتستثار بسرعة وسهولة بالغة من أي تصرف أو سلوك أو كلمات أو حتى نظرة منه.. فيكون لديك موقف عدائي اتجاهه باستمرار فلا تنظر الى أي إيجابية قد تصدر منه، وتكون على استعداد دائم لاتخاذ موقف الانتقام عندما تتهيأ لك الفرصة لعمل ذلك من أقل تصرف يصدر منه وتسيء فهمه بشكل متعمد.
فإن حملت داء الكراهية، هذا الشيء المرّ معك أينما ذهبت وإن لم تتخلص منه فإنه سيزيد كيانك مرارةً؛ ساعة بعد ساعة و يوماً بعد يوم.. الى أن تستحوذ هذه المرارة على كل كيانك! فَتُسَود قلبك وتملأه بالظلام فتعيش حياةً مرةً ومتعبة لأن السلبية المفرطة الموجودة في مشاعر الكراهية تؤثر على أجهزة جسمك كافة، حيث لن تعمل بكامل كفاءتها، فهي داء ومشاعر مَرَضِية تهدر طاقتك وتوهن النفس والجسد ولهذا سُميت بطاعون المشاعر.
قال جوليان لينون وهو منتج وممثل بريطاني: (لقد ادركت أن الكراهية تضيع الكثير من الوقت والطاقة، وانا أفضِّل أن أوجه هذه الطاقة للخير والعمل الإيجابي).
وهناك قول لأستاذ التنمية البشرية إبراهيم الفقي: (لا يوجد انسان تعيس، لكن توجد أفكار تسبب الشعور بالتعاسة).
فالكراهية وإن كانت من وجهة نظرك مقنعة فلا تكون مقنعةً في الحقيقةً..! فهي كالجمرة التي تأخذها بيدك وتريد أن ترميها على الشخص الذي تكرهه وأول ما تحرق هي.. يدك..
وأول من تأذيها هي.. نفسك.. إذا ما الفائدة من هذه المشاعر الطاعونية المدمرة غير إيصال الضرر لنفسك ولحياتك والتعب النفسي والمجهود العقلي المتعب.
فلنكف اذا عن قذف رماحنا المسمومة من معركة قلوبنا اتجاه الآخرين واتجاه من آذونا، وحتى أيضاً لا تدعو عليهم..! لأنك بذلك سوف تُربك وتُشِل حركة حياتك.
الدعاء له اثر عجيب وقوي جداً.. فعندما ترفع يديك الى السماء وتدعوا لغيرك بالخير فإن دعائك يذهب الى السماوات ويرتد إليك الخير بشكل أقوى وأكثر ثم يذهب للذي دعوت له.. فما بالك عندما تدعو على الغير؟؟.. ماذا سيحصل لك؟؟.
نعم.. عندما تدعو على أحد فإن هذا الدعاء أيضاً يذهب إلى السماوات ويرتد إليك بشكل أقوى. فإن الذي دعوت عليه نعم ستصل دعواك عليه لأنه جرحك وسبب لك الأذى، لكن.. سيصيبك أكثر مما يصيبه، لأنك انت من قمت بالدعاء..! فيرتَدّ إليك بشكلٍ أقوى وأكثر..
فعندما لا تستحسن شيئاً مُر عليه مرور الكرام.. ولا تبث أي إشعاعات تجاهه..
وإن ظلمونا أو جروحنا بكلامهم أو بأفعالهم، فقط وكلهم الى الله سبحانه وتعالى.. وقل:
"أفوض أمري الى الله إن الله بصير بالعباد".
فعندما تقول هكذا عبارات فإنك تسلم أمرك بيديه سبحانه بأن يكفلك ويأخذ حقك ممن ظلمك والله سبحانه بصير بكل شيء.. وعليم بكل شيء.. فسوف يأخذ حقك عاجلاً أم آجلاً..
قال تعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ " (سورة ابراهيم) إذاً فالله يمهل و لا يهمل..!
لدى الإنسان جانبين: الجانب الإيجابي والجانب السلبي.
فالجانب الإيجابي يتم تفريغه عن طريق الكلام الإيجابي كدعاء الخير والكلام الطيب وعن طريق التفكير الإيجابي و عن طريق الإيحاءات الذاتية، اذا من هكذا طرق نفرغ طاقتنا الإيجابية ونشحن أنفسنا بالسعادة..
لكن هنا تتبادر في جعبة أفكارنا السؤال؛ بما أنَّه لا يمكننا كره أي شيء إذا كيف نتخلص من الطاقة السلبية ونحرر أنفسنا من سجن الكراهية المظلم؟!
من الطبيعي جداً أن يكون للإنسان طاقة سلبية.. والجانب السلبي هو الموجود في الإنسان، لكن كيف نتخلص منه؟؟.
الجانب السلبي فينا يتفرغ عن طريق كرهنا وبغضنا لأعداء الله وأعداء رسوله وأوليائه، لأنهم ملعونون من قِبَل الله سبحانه، كما ورد اللعن في كتابه الكريم، وبهذا لابد أن نعمل كما يعمل القرآن العظيم وكما نعلم أن خُلُق النبي هو خلق القرآن.
فالشيعة لا يلعنون إلا من لعنهم الله تعالى ورسولهِ (صلى الله عليه وآله)، ولا يصفون الأفراد إلا بما يستحقون، فقولنا مثلاً أن فلاناً كان ظالما فاجراً، ليس شتماً وإنما هو بيان لصفته الحقيقية بناءً على ما نملكه من أدلة، وهذا الأسلوب هو أسلوب القرآن الحكيم.
فالرسول (ص) كان له أصحاب مقربين لديه يعملون بما أمر الله و رسوله وينهون عما نُهُوا عنه ولكن هناك أيضاً بعض أصحاب الرسول الذين خالفوا أوامر الله ورسوله فقد لعنهم الله و رسوله فهم المنافقين الذي كتموا ما أنزل الله والذين خالفوا أمره و أنكروا وحيه، وجحدوا إنعامه، وعصوا رسوله، وقلبوا دينه وحرفوا كتابه، وعطلوا أحكامه و أبطلوا فرائضه، وألحدوا في آياته، وعادوا أوليائه ووالوا أعداءه وخربوا بلاده، وأفسدوا عباده..
قال الله تعالى: "وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ" (سورة التوبة).
وقوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً " (سورة الأحزاب).
وفيهم من ارتد وانقلب من بعده (ص) رغم ما وضح لهم رسولنا الحبيب وما رأوه من معاجز وبينات من النبي محمد (ص) لكن اصروا على نفاقهم ، قال الله تعالى: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ" (سورة آل عمران).
و روى الشيخ الصدوق بسنده عن الأعمش عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال:
"وحب أولياء الله والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة ومن الذين ظلموا آل محمد وهتكوا حجابه فأخذوا من فاطمة فدك، ومنعوها ميراثها وغصبوها وزوجها حقوقهما، وهموا بإحراق بيتها، وأسسوا الظلم، وغيروا سنة رسول الله، والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين واجبة، والبراءة من الأنصاب والأزلام أئمة الضلال وقادة الجور كلهم أولهم وآخرهم واجبة، والبراءة من أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود قاتل أمير المؤمنين واجبة، والبراءة من جميع قتلة أهل البيت واجبة" (الخصال).
فهؤلاء يلعنهم الله سبحانه وَرَسُولِهِ والمؤمنون بكونهم يستحقون اللعن بنفاقهم ومخالفتهم أوامر الله تعالى ورسوله (ص). إذاً عندما نكرههم ونبغضهم ونلعنهم فالطاقة السلبية الموجودة فينا تتحرر و تنمحي عن هذا الطريق.
إذاً فالكراهية تكون لهم فقط..
والبغض يكون لهم فقط..
واللعن يكون لهم فقط..
لأن الله عز وجل طردهم من رحمته ولعنهم و أعدَّ لهم عذاباً أليما..
اضافةتعليق
التعليقات