قد يكون الخوف من الحيوانات الضخمة والمفترسة أمراً عادياً وطبيعياً لدى بني البشر، لكن الخوف من عنكبوت أو جرذ أو فأر أو نحلة أو كلب يبدو غير طبيعي. فلماذا يخشى البعض حيوانات وقوارض وحشرات وكائنات ضعيفة كهذه؟ ولماذا يرتعش جسده وينتفض من مكانه بمجرد رؤيته لها؟ هل هو خوف شديد منها، أم مجرد تقزز؟ وهل لهذا الخوف المرضي من علاج؟
البروفسور مارتن أنتوني، أستاذ علم النفس في جامعة رايرزون بتورنتو وأحد مؤلفي كتاب «التغلب على فوبيا الحشرات والحيوانات: كيف تتخلص من خوفك من الكلاب والأفاعي والقوارض والنحل والعناكب وكائنات أخرى». يقول أنتوني إن «فوبيا» الحيوانات هو مرض سهل العلاج، كما أن علاجه لا يتطلب وقتاً طويلاً. لكن المشكلة تكمن في أن ليس كل من يُعاني هذه «الفوبيا» يسعى إلى العلاج. ويضيف «حتى الأشخاص الذين يعانون «فوبيا» شديدة من حيوان أو كائن ما لا يطلبون العلاج أو المساعدة على التعافي، حتى ولو عرضهم ذلك لمواقف محرجة مع أصدقائهم وجيرانهم وأقاربهم وزوارهم. وهذا النوع من «الفوبيا» لا يصل إلى مستوى الاضطرابات النفسية الأخرى من قبيل الكآبة السريرية أو الوسواس القهري، لكن الناس عادةً ما يُتقنون إعادة ترتيب حياتهم بما يجعلهم يتجنبون التعرض للكائن الذي يخافون منه».
ولا يبحث المريض برُهاب الحيوانات عن العلاج إلا عندما تبدأ «الفوبيا» في التأثير على علاقاته الاجتماعية أو عمله، إذ يشعر في هذه الحالات فقط أنه مضطر إلى مراجعة معالج ما متخصص في اضطرابات القلق. ويمكن لـ»فوبيا» الحيوانات أن تبدأ من الطفولة عند التعرض لهجوم كلب ما مثلاً، لكن هذا لا يكون دوماً سبب الإصابة بالرُهاب. ويقول أنتوني «في بعض الأحيان، تظهر أعراض الرهاب لدى الشخص إذا كان أبواه مصابين بفوبيا من نوع ما، أو عبر مشاهدة شيء في سياق رُعب في فيلم أو مادة تلفزيونية». ويعتقد بعض الخبراء أنه قد يكون خوفنا من المخلوقات المخيفة التي يمكنها إيذاؤنا كالأفاعي والبق مُبرراً إلى حد ما.
لكن دراسةً نُشرت سنة 2008 في مجلة «إمُووْشن» وجدت أن هذه الفرضية ليست دقيقة. واكتشف الباحثون أن المواقف الثقافية السلبية المُتوارثة حول الأفاعي والعناكب تلعب دوراً في نشوء هذه الحالات من الرُهاب. فإذا كان الخبراء والمروضون وبعض الناس يعرفون كيف يتعاملون مع الأفاعي والعناكب، فإن الآخرين لا يملكون أية خبرة في التعامل معها. وفي الوقت الذي تستقطب فيه الحيوانات انتباه الجميع، فإن الأشخاص الذين لم يسبق لهم التعرض لها هم فقط من ستتسم ردود فعلهم بالسلبية.
وينصح علماء النفس هذا الشخص الذي يعاني من الخوف من الحيوانات، بتحليل الأعراض التي تخصه، فبعض أنواع الفوبيا، ومنها فوبيا الخوف من الحيوانات، قد تشمل بعض الأعراض مثل: هل أنت تخاف من حيوان مفترس بنفسه، أم أنك تخاف من الصوت الذي يصدره الحيوان؟، كما في حالة الكلاب التي تقوم بالنباح بصوت مخيف.
فإن بعض الناس قد يخافون من الكلب وهو يقوم بالنباح بصوت عال باستمرار، لكنهم لا يشعرون بأية مشاكل عندما لا يصدر الكلب أية أصوات، ووقتها يختلف الشعور بأنك تريد أن تهرب أو تختفي في أسرع وقت بعيدًا عن المكان.
علامات الخوف
ويختلف معدل ضربات القلب بشكل غير طبيعي، والتعرق الزائد، الشعور بالارتعاش أو الانتفاض، ويصبح النفس قصيرًا، ألم في الصدر، الشعور بالغثيان والدوخة والقشعريرة، وعدم القدرة على ضبط توازن تفكيرك وبأنك ستصاب بنوبة من الجنون، والشعور باقتراب الموت.
وأكد علماء النفس، أن المشكلة تقع في أن تجنب الحيوانات أمر صعب للغاية، خاصةً في البلدان التي تكثر فيها الحيوانات.
وبشكل عام، فإن أغلب دول العالم توجد فيها كمية كبيرة من الحيوانات التي قد تسبب الخوف لكثير من الناس مثل الكلاب، فيجب أن تفهم أن هناك طريقة منهجية في التغلب على هذا الخوف، لا تشعر بأن الأمر مستحيل الحل، وضع في اعتبارك أن الأمر لن يختفي بسرعة، ستحتاج إلى بعض الوقت لتتمكن من أن تتغلب على الخوف من الحيوانات بشكل تدريجي.
ونصح علماء النفس بأن تقوم بالكتابة والتعبير عن خوفك في أي مكان، ويمكنك أن تتعلم الطرق التي تجعلك قادرًا على الاسترخاء والتأمل، وأن تتحلى بالثقة بأكبر قدر ممكن، خاصة وأن خوفك من الحيوانات هو أمر نفسي بشكل كامل، وأنت تحتاج إلى أن تكون واثقًا من قدراتك على التغيير، وأن تكن مؤمنًا بنفسك، لا تفكر في أنك غير قادر على حل المشكلة.
ويستخدم الأطباء النفسيون في إحدى طرق العلاج المواجهة المستمرة مع الحيوانات، فقد تكون هذه من أكثر الطرق الفعالة التي ستتمكن من خلالها من التغلب على الخوف من الحيوانات.
لكن تذكر أن هذه التجربة قد تزيد من كمية خوفك إذا لم تتخذ الحيطة الكافية، كذلك فإنه من الأفضل أن يكون معك شخص أو آخر في هذه التجربة.
وقبل كل شيء، فأنت تحتاج إلى تهيئة نفسية كبيرة، اختر الوقت المناسب الذي تشعر فيه بأنك قادر على أداء التجربة، واختر مكانًا مفتوحًا لا تشعر فيه بأي قلق، واخرج مع أكثر من صديق لك مع الحيوان الذي تخافه.
في المرة الأولى قد يكون من الأفضل أن تحافظ على مسافة غير قصيرة بينك وبين الحيوان، ثم قم بتقليل المسافة تدريجيًا، إلى أن تكون قادرًا على الاقتراب من الحيوان كما يفعل صديقك.
طرق علمية للتخلص من "الفوبيا":
الخوف سلوك بشري وإنساني، يمر به أي إنسان طبيعي، إلا أنه يتحول عند بعض الأشخاص لمرض نفسي، أو ما يطلق عليه اسم "الفوبيا"، مثل خوف ركوب الطائرة وصعود الأماكن المرتفعة، أو المرور بجوار بعض الحيوانات الأليفة مثل القطط والكلاب، وغيره من الأشياء الأخرى.
وتتفاوت درجة الخوف من شخص لآخر، لكن إذا زادت حد الرعب المرضي فهذا ما نطلق عليه "الفوبيا"، وفي معظم الأحيان تعود جذور المرض إلى طفولة الشخص، وغرس تلك المشاعر منذ الصغر، كتخويف الأطفال، وعقابهم والحكايات المخيفة، وخوف الكبار الذي ينتقل بالمشاركة الوجدانية والإيحاء والتقليد أو تلك التي تنجم عن الشعور بالإثم والذنب وبعض الظروف الأسرية المضطربة الناتجة من الشجار المتواصل والانفصال والطلاق وغيرها.
وربما تتحول تجربة سيئة في لحظة واحدة إلى "فوبيا" تستمر لسنين، وتحتاج لأشهر وربما سنوات للتخلص منها.
وتشمل التطبيقات العلاجية لـ "الفوبيا"، تمارين أو أدوية أو مزيجًا من كليهما.
ونشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، نقلاً عن عدد من الأطباء، مجموعة من النصائح للتعامل مع نوبات الخوف بتمارين الراحة، كالتنفس والتأمل، كي تعطي المصاب بـ "الفوبيا" القدرة على التحكم بأعراض المرض، لكن للتخلص منه هناك علاج نفسي سلوكي وهو الأكثر شعبية، يشمل مواجهة الشخص لمخاوفه بشكل تدريجي.
كما يزداد الاحتكاك بين الشخص ومخاوفه مع تقدم العلاج بهدف التقليل من قوة مصدر الخوف وتحويله إلى عامل يفتقر للأهمية والأفكار السلبية.. وباتت بعض هذه التجارب تستخدم الواقع الافتراضي لعرض مصدر الخوف الفوبيائي كالكلاب أو المصاعد الضيقة.
اضافةتعليق
التعليقات