تختلف أسعار أعضاء جسد الانسان القابلة للبيع على حسب أهمية العضو من جهة وعلى حسب المكان الذي يعرض فيه للبيع أو المتاجرة به من جهة أخرى، ففي السوق السوداء تبلغ القرنية 24 ألف دولار، والكبد على ما يزيد 500 ألف دولار، والرحم البديل 150 ألف دولار، والكلى تتجاوز قيمتها 200 ألف دولار، أما القلب يقال أنَّ سعره يصل إلى أكثر من 100 ألف دولار!.
حسناً، هذا عن الأجزاء المادية في الجسم، ماذا عن المعنوية، ك القلب مثلاً، هل هي قابلة للبيع ياترى؟!
نعم، نحن نعرض أحياناً قلوبنا للبيع ونتبرع ونتاجر بها أيضا في عدة أسواق من حيث لا ندري، ويختلف الطلب على حسب جودة القلب ومكانة المشتري، وفي الحقيقة إنَّ هناك عدة أنواع للأفئدة علينا أنْ نُميّزها قبل أنْ نعرف لمن نعرضها للبيع وفي أي مطلب.
قلب كريشة
قد يكون القلب كريشة تتلاعب به الحوادث وتغيره الأيام، وينتج عنه شخص منافق، متقلّب، كل يوم في وجه ولون، وهذا الانسان لا يبيع قلبه فحسب، بل يراهن عليه ويقامر به كورقة خاسرة في كثير من الأسواق وقد يبيعه لعدة أشخاص في وقتٍ واحد، وهو قلبٌ رخيص بلا شك.
كل الذين خانوا وانقلبوا على قيمهم، دينهم، مقدساتهم الحقّة، أوطانهم، وباعوها أو تخلّوا عنها طوعاً من أجل دراهم معدوة أو منصب وغيرها يندرجون تحت هذا النوع.
قلب متآكل
في أي منتج يعرض للبيع، عليه أنْ يملك مواصفات معينة ومنها أنْ يكون سليماً معافى، فبعض القلوب تحوي ندوب وجروح وقروح.
لابد أنَّ غذاء هذا القلب كان من خبز الحزن والقهر، نعم، قد يأكل الهمّ القلب حتى يغدو مشوّهاً، شكل هذا القلب كمن دُهس بشاحنة، ضحايا الحروب والفقد والأمراض النفسية إن تركوا العنان للأسى هم أصحاب هذا القلب التَعِب.
قلب مريض
للقلوب أمراض كما للجسد بل أكثر، الحسد، الحقد، سوء الظن، القسوة، التعصّب، الحرص والعجب وغيرها كلها تقلل من قيمة القلب، وكلما تعلق القلب بالماديات انخفضت قيمته المعنوية، وقد نسمي هذا القلب بالأسود أيضاً، وما أكثر وجوده معنا أو بيننا وحولنا.
قلب مكسور
قد يتجول أحد في ساحة قلبك _بعد أن سمحتَ له طبعاً_، ويكسره بأذىً أو خيانة أو تخلّي وفراق، قصص الحب المحلية والعالمية صفحاتها ملأى بهذا النوع. لايتاونى الكثير من العشاق من بيع قلوبهم للموت في سبيل المحبوب.
قلب من ذهب
قد يكون هذا القلب يشابه قلب طفل لم تدنّسه شوائب الدنيا، أو قلب محبٍ وكريم، إنه ثمرة من ثمرات الايمان والأمل وسمو النفس وعلو الأخلاق، قلب الأم المعطاء صورة حية لهذا النوع.
بعد تلك الأصناف المتعددة من القلوب، نتساءل؛ ما الذي يساهم في تشكيل تلك القوالب، أوليسَ كل الناس تتشابه وتتشارك بهذا العضو الرقيق؟
بالتأكيد يختلفون، فالبيئة التي يتربى عليها الانسان تؤثّر في مدى العناية والمحافظة والاهتمام على المعنويات ومنها مكانة ودور القلب في حياته، والفكر المتُبنى يساعد أيضا في تجذير بعض المعتقدات، فضلا عن النصوص الدينية ونظرتها إلى إعمال العقل أو اتباع القلب.
وبعد هذا التصنيف الموجز وما يندرج تحته لأنواع القلوب، تكون قيمة قلبك إنْ أردتَ بيعه رخيصاً أو غالياً.
في كل الأحوال، حتى وإنْ كان قلبك ممزقاً أو سقيماً، لَملِم شتاته وعالجه، ولكن لا تجعل ذلك ذريعة للتخلي عنه، كنْ حراً، ولا تعرض قلبك للبيع؛ لدنيا أو هوى أو أي شيءٍ فان، لا تشرع النوافذ والأبواب لمن يريد العبث به، ولا تدعه ينصهر في أي بوتقة، لأنه ليس سلعة تباع وتشترى، فهو شيء ثمين فحافظ عليه.
في بيع الأعضاء المادية جريمة يعاقب عليها القانون، وتنادي منظمات حقوق الانسان في كل العالم بالحد من هذه التجاوزات، وكذلك يجب أنْ تعاقب نفسك فلها عليك حق إنْ بعت مشاعرك من دون ضوابط.
ولكن هناك حالة واحدة فقط ستربح إنْ عرضتَ قلبك للبيع في سوق مقدّس، بع قلبك لله وفي سبيله وعلى طريقه، وقبل ذلك نظفّه وأحط به أصيصات الزهور، وقدّمه لمولاك، فقلبك المعراج للوصول إليه، وإحدى طرق إجلاء الصدأ عنه وإضاءة عتمته يعلمنا إياها أمير القلوب، يقول الامام علي بن ابي طالب عليه السلام: "المعرفة نور القلب". إذن المعرفة وطلب العلم تنير قلوبنا وتوّضح معالم السير السليم. وفي وصيته لكميل بن زياد يقول: "إنَّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها".
حقاً لكل قلب مدى وحجم قد يضيق وقد يتسع على قدر صبره وتحمّله، ولكن نتساءل هنا عن أفضل الأوعية التي قصدها الامام في الحديث، ما الذي علينا ملئه في هذا الوعاء، يجيب الامام على ذلك في حديث آخر: "اعلموا أن الله سبحانه لم يمدح من القلوب إلا أوعاها للحكمة". فبعد المعرفة تأتي الحكمة وهي مرحلة متقدمة عن أختها.
ترى ما الذي ميّز حيدر الكرار، كيف بقي اسمه ناصعاً؟!
لقد باع قلبه لمعشوقه الأزلي فاستحق أن يكون آية من آيات الله الخالدة على مر الزمن، يقول عز من قائل: "إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة"، طوبى لك يا أمير الحب صفقتك الرابحة عندما اشترى المولى وكنت على الدوام من "السابقون السابقون" فنلتَ القرب الإلهي بكل جدارة.
اضافةتعليق
التعليقات