الغوص في العمق وإكتشاف سبل الغموض ومناقشتها على موائد السطحية يعطي نتائج لا تمت بصلة للعقل والمنطق، وأحيانا تأخذ المعنى إلى غير منحى ليتخذ عُقّالهم من عثرات الفلسفة مسارا لهم ثم ليهدونا تخبطا نتبعه بعين مغمضة لأنه منهم فقط!.
هناك من أُرْسِل ليكشف لنا ما نريد أن نعرف أسبابه ونبين حقائقه، وللإبحار في هذه الشخصية نحتاج دهرا من القراءات العميقة ومعرفة كوامن كل حديث وهو القائل: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن طرق السماوات فأنا والله أعلم بها من طرق الأرض.
فهذه الشخصية التي تستطيع أن تصف طرق السماء في حين للآن التكنولوجيا لم تكتشف سوى طريق في السماء وهو فوق بيت المقدس يحاولون أن يسيروا عبره أقمار صناعية، فهل يعيقه أن يعرف ما تكتنزه نفسك وما تخفيه من مشاعر لا تعرف متى تغاديك ومتى تراوحك!.
في جولاتي وأنا أطالع بعض الأحاديث جذبني أحد تلك الجواهر، يروى عنه (عليه السلام) أنه قال: (إنَّ النُّفوسَ إذا تَناسَبَتِ إئتلفَتْ)، فراودني السؤال كيف يمكن أن تتآلف النفوس، وماهي القواعد لهذا التناسب؟.
التناسب هو التماثل وحصول الإنْسِجَام ينتج عنه التمازج الروحي القائم على مشتركات أساسية وهذه المشتركات هي التي تعضد هذه العلاقة، وجدتْ كل أجوبتي في (وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُم) ما النقطة المشتركة حتى تتوحد تلك النفس مع نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتكون واحدة هذه القسائم قد نتخذها معايير لتآلف الأرواح منها:
1_ التشابه الفكري: فإذا تحقق توارد الأفكار حتما ستجد الروح ضالتها في المقابل، بالتالي تنجذب إليه طوعا.
2_ تلاقي الهدف: فإذا توحدتْ الأهداف توحد الطريق وهذا الطريق يحتاج إلى عضيد يشد بيدك ويتجه معك إلى الغاية، وكل رسالة تحتاج لمن يأخذ بيدك فحتى الأنبياء يحتاجون لهذه النقطة بالذات والدليل على ذلك (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ).
3_ توحد الرغبات: من الضروي أن تكون مشتركات يبنى عليها هذا التآلف وإلا سيحدث تنافر يسببه الإختلاف الوارد في الميول.
فالشخصيات التي تتلاقى في نقاط معينة حتما سيصبح بينها نوع من التآصر والترابط وبالتالي دوامها وبقائها معا، وهذا ما يحتاجه كل فرد في بناء أي علاقة سواء كانت صداقة أو زواج وحتى الروابط العائلية تكون أقوى دعائمها لو بنيتْ على مشتركات معينة.
هذه القواعد التنموية التي اختصرها أمير البلاغة في عدة كلمات يمكن العمل بها في شتى مجالات الحياة، وما طُرحَ فهو قاصر في ادراك تلك المعاني الخفية التي لو أُبحِرَ فيها لاستخرجت منها كنوز أخرى.
اضافةتعليق
التعليقات