بعد تكرار عبارات التهديد بقتل نفسه أقدم منتظر البالغ من العمر أربع عشرة سنة من محافظة الديوانية باضرام النار بجسده الغر الطري على سطح دار جده كي لا تراه أمه الأرملة أو أحد أخواله ويمنعونه، وهذه المرة كان مطلبه شراء جهاز موبايل حديث الصنع، فكان رفض أمه قاطعا لأنها لا تملك ثمن الجهاز ولم تتخيل أن يجرؤ على فعلها فهو دوما ما يردد هذه العبارة.
تقول إحدى جاراتهم حين سمعنا صوت الصراخ والعويل هرع الجيران لدارهم وحين دخلت وجدت منتظر محترق الجسد ومبلل بعد أن قاموا باطفائه بالماء فسألته لماذا فعلت هذا يابني؟. أجابني وهو يرتجف من الألم والخوف والرعب بسبب أمي التي رفضت أن تشتري لي الموبايل!.
وأسباب الانتحار كثيرة ومختلفة وحججها واهية وضعيفة ومتداعية مقارنة مع الفعل المحرّم والشنيع الذي بات الكثير من المراهقين والشباب يقدمون عليه كحل لإنهاء حياتهم ومشاكلهم، ارتأى (موقع بشرى حياة) البحث من خلال سؤال عدة أشخاص لكشف المسببات التي أسهمت بتشجيع فئات عمرية مختلفة على هذه الظاهرة الخاطئة والمحرّمة، هل هو ضنك العيش أم ضنك التفكير أدى إلى استفحال فكرة الانتحار وماهو الحل؟.
التقليد الأعمى لأبطال المسلسلات
سيف السعدي خريج وعاطل عن العمل العمر(22) سنة من كربلاء المقدسة أجابنا عن هذا السؤال قائلا: جميع الفئات العمرية من عمر العاشرة إلى فوق 40 سنة يعتبرون مشاهدين ومتابعين جيدين لمسلسلات العصابات الأجنية والتركية والنسبة الأعلى هم الفتية والشباب وتأثير هذه المسلسلات على أفكار الشباب كبير، تجرفهم إلى المخدرات والانحراف لأن الانتاج التركي والأجنبي يقوم على تعظيم رؤساء العصابات والشخصيات المنحرفة وتجار المخدرات واللصوص ويعطونهم أدوار البطولة ويقربونهم للجمهور ويحببون شخصياتهم ليقتنع المتلقي أن تصرفاتهم هذه هي الصحيحة وتزرع في عقولهم الأفكار المنحرفة وكأنها شيء محمود، وتبقى هذه الشخصيات والشواهد متعايشة معهم وضنك التفكير وضيق الأفق يدفعهم إلى تقليدهم ومن ضمنها فكرة الانتحار وكأنها عملية سهلة وشجاعة.
ومثال على ذلك المسلسل الأجنبي (peak bliders ) الذي تتناول أحداثه قصة عصابة يتعاطون المخدرات ويرتكبون الزنا والفحشاء والسرقة ويقدمون على الانتحار على أسبابٍ تافهة، ولكن مخرج المسلسل يقدمهم للجمهور وكأنهم القدوة الذين يقومون بالعمل الصائب والمقبول ومشاهد المسلسل تتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو والكثير من الشباب أصبحوا يضعون صورة بطل العصابة (Thomas Shelby ) على واجهة صفحات الفيس بوك إعجابا وتيمنا به.
والحل هو الانتقاد الدائم من قبل الأهل بطرق منطقية ومنفتحة لهكذا مسلسلات وتنوير أولادهم بسلبياتها والاثار الذهنية المدمرة التي تتركها شخصيات ومشاهد المسلسلات وتبيان وجه الاختلاف بين سلوكيات الانسان السوي وغير السوي والاهداف الخبيثة وراء انتشار هذه المسلسلات التي تسعى إلى تدمير المنظومة الأخلاقية للمجتمع السليم وتشويه ثوابت الاسلام.
الطبيب النفسي لا يعالج المجانين فقط
الطبيبة النفسية زهراء حسين العمر(37) سنة من محافظة ميسان تقول: يجب على الآباء أن يراقبوا أولادهم في حالة تكرر حديثهم عن الموت والرغبة في الانتحار وعدم اهمال كلامهم وأخذه محمل الجد ومحاولة توضيح خطورة الانتحار دينيا وجسديا، وبث روح التفاؤل فيهم ومشاركتهم مشاكلهم مهما كانت صغيرة أو يرونها تافهة وعدم السخرية من مشاكلهم.
وإذا يجدون أولادهم غير متفاعلين معهم أو يرون أنفسهم لا يملكون الحلول الصحيحة والمؤثرة على أولادهم عليهم عرضهم فورا على طبيب نفسي بدون تهاون أو تكاسل.
وأشارت إلى إن، المشكلة في المجتمع العربي والعراقي بشكلٍ خاص إن لديهم تصور حول كل الذين يذهبون إلى الطبيب النفسي هم من اعداد المجانين ومن المخجل والمعيب مراجعهتم، وهذا بحد ذاته يعد ضنك التفكير والتخلف، لأن مراجعة الطبيب النفسي شيء عادي وهم لا يفرقون عن الأطباء الآخرين والأمراض النفسية تأتي وتذهب بشكلٍ عرضي مثل الأمراض الجسدية، وهذه الفكرة يجب أن نعمل على نسفها وتغييرها، وترك الأولاد الذين يعانون من الكآبة والمشاكل النفسية دون مراجعة الطبيب تعد أحد أسباب انتشار ظاهرة الانتحار.
والحل هو نشر ثقافة المعالج النفسي وأهميته لكل عائلة والتخلص من فكرة أن كل المراجعين لعيادة الطب النفسي هم مجانين في حين هي حالة نفسية بالعلاج تذهب ولا تترك اثار يعاني منها الانسان طوال حياته، حالها حال الأعراض المرضية الجسدية.
اليأس أحد أسباب الخلاص
محمد هادي ناشط مدني العمر (30) سنة/ محافظة البصرة له رأي أخر يقول فيه: الفقر يجلب الجهل والجهل يولد التبعية والتقليد والتأثير السريع والانفعال المبالغ به، وقد بلغ السيل الزُبى بالفقراء الذين وصلت نسبتهم إلى 22% بحسب تقرير البنك الدولي لسنة 2018 والانتحار فعل طبيعي بعد أن تقطعت بهم السبل، وأصابهم اليأس وما يزيد الطين بلّة ويزيد ضيم وقهر الفقراء هو أنهم يعيشون في دولة غنية بالثروات ويرون ويسمعون كيف إن الفاسدين والأحزاب تسرق وتنهب وتهرب إلى الخارج وتعيش في ترف ونعيم ولا يستطيعون فعل شيء، فضنك العيش واليأس من تغيير الحال هو أول أسباب الخلاص الأبدي.
والحل هو تحسين معيشتهم، من خلال القضاء على الفساد وادارة ثروات البلاد بطرق استثمارية وتوزيعها بشكلٍ عادل وصحيح.
التقرب الى الله هو الحل والعلاج
وكان رأي هيثم الخفاجي طالب جامعي العمر (20) سنة بغداد: الضغط النفسي وضعف القدرة على الدفاع عن النفس أو عدم الافصاح عن المشاكل التي يواجهها خوفا من الاستهزاء والاستخفاف بمشاعره أو عدم فهم من يبوح له أو لم يجد شخص قريب عليه أو يأتمنه على أسراره، مثلا تكون الأم والأب بعيدين عنه نفسيا وقريبين جسديا يجعله يشعر بالوحدة أو ذكرى سيئة ومؤلمة ومحبطة لمعنوياته تتردد بذاكرته دوما ولا يستطيع نسيانها أو معالجتها، وهذا كله سببه ضنك التفكير وضيق الأفق وضعف الوازع الديني.
والحل التقرب من الله والشكوى إليه فهو الانيس والصديق والمعين، ومحاولة التغلب على المشاكل وإيجاد الحلول واللجوء للأهل وفتح الحوار معهم، واستخدام الطرق الصحيحة للنسيان مستعينا بنصائح الأطباء الموجودة في جميع وسائل الاعلام.
الفيس هو المربي الأول
منتظر الزبيدي لم يكمل دراسته الاعدادية بسبب الرسوب المتكرر ويعمل سائق ستوتة العمر(19) سنة الكوت يقول: أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي الأم والأب والمربي فمنه ينهل الأولاد أفكارهم وعقيدتهم ومفاهيمهم ويتعرفون على العالم من خلاله، وعندما يشاهدون الأفلام والأغاني التي تعرض كيف ينتحر الشاب أو الشابة عندما تتركه حبيبته فهذا يشجع من يفكر بالانتحار مسبقا أو يحفز الفكرة للذين لا توجد ببالهم هذه الأفكار.
وكثيرا ما نسمع كبار السن يقولون لقد تحملنا الحصار والجوع والضيم ولم يقدم أحدٌ منا على الانتحار أما هذه الأجيال فهي متذمرة تلجأ للانتحار أو تفكر به كلما واجهت المشاكل وهذا هو قلة الايمان وأنا أجيبهم: في السابق لم يكن لديكم جهاز موبايل ينقل لكم وأنتم جالسين في كوخكم الصغير كل مايدور في العالم وتشاهدون أفخم القصور وأطيب الأكلات وأجمل المناظر وأرقى الملابس والسيارت وكل شيء جميل يسيل له اللعاب، فلا تملكون حتى جهاز تلفزيون الذي يعرض 70% منه أخبار صدام وأزلامه وحروبه، فضنك العيش الذي نعيشه ومانشاهده من حياة الترف التي يعيشها المسؤولين والبرلمانيين يجعلنا أناس محبطين نكره الحياة ومافيها ولا أمل لنا بها.
والحل، هو توفير العمل لكل مواطن عراقي حتى يعيش حياته بكرامة ويحقق طموحاته وأحلامه.
ختاما، في كل عام يضع ما يقارب 800 ألف شخص نهاية لحياته، بحسب الإحصاءات لمنظمة الصحة العالمية الصادر في أب 2018. وهو دليل إن جميع شرائح المجتمع وجميع الفئات العمرية يطالهم تفكير الانتحار أو القيام به ولكن بنسب متفاوتة، فالمجتمعات المتعلمة والغنية يقل بها هذه الحالات لأنها بعيدة عن ضنك العيش وضنك التفكير.
اضافةتعليق
التعليقات