زارني مريض كان قد كتب على راحة يده عبارة مرقمة ومعنونة: إلى تلك الروح المنكسرة التي تسكن داخله منذ فترة طويلة كان مضمونها (عزيزتي أ حمقاء انتِ؟!).
كنت أسأله على الرغم من معرفتي أن روحه ليست حمقاء وأنها فقط تبتاع الفضة بالذهب وتُهدي ما تعزهُ عليها لغيرها!، كانت روحه معطاء بفرط غريب وهذا ما كان يقوده إلى غير وجهته..
كنت أتساءل عما كان يجب القيام به لمعالجته بطريقة تناسب وضعه النفسي لكنه كان أكثر صرامة بفكره ولم يتقبل حينذاك أي استشارة أطرحها عليه، وفي الحقيقة أيضا لا يمكن اعتباره مريض نفسي وذلك لأنني وجدت فيه الحكمة المختبئة خلف حجاب مأساته وهذا ما كان عليّ أن أحدد شيفرة الوصول إلى ما بعد الحجاب..
ويمكن أن أفهم من وضعه وتركيبة عقله أنه ليس من السهل معرفة الشيفرة ولكنه أيضا ليس ضربا من ضروب المستحيل.
فرحت أتجول بين جدران المكان وأضع نفسي بمكان مريضي كنت احاول قدر المستطاع أن أحل لغزه فهو مريضُ سليم!.
وفجأة بوقفة واحدة أمام المرآة وجدت ما يقارب الحل كله، بوقفة واحدة أمامها لاحظت أن التراب غطى جزء من معطفي فبدأت انفض التراب عنه إلى أن اصبح نظيفا ولكن بقيَ من آثار التراب بعض الشيء، حينها طرأت فكرة شفافة لم تكن على البال وهي: نحن لا نهتم بالمرآة بل نهتم لنرى مدى جماليتنا وهندامنا لنخرج إلى العالم الخارجي بأبهى ما نكون!.
ومن هذا الموقف يمكن فهم أننا نرى ما يناسب أعيينا أو اننا أيضا نأخذ المواقف من جانب الاحساس ومن الزاوية التي رأينا الموقف منها، ربما يكون الموقف حقيقي مثل التراب الذي غطى معطفي ولكن التساؤل هنا هو كيف وصل الغبار إلى معطفي؟!
وهذا ما يدل على أن أمر وصول هذا الشخص الذي يعتقد أو يعتقدون أ يعاني من اضطراب أو مرض نفسي هو بالواقع أكثر لا يعاني من شيء بل إنه وقع في فخ المرآة ولم يتساءل حينها هو لماذا وكيف وصل إلى هنا، إلى عيادة طبيب نفسي.
هو له الدور الأكبر بوصوله لأنه لم يكن أكثر حرصا على نفسه في أن يقع في مأزق أو سوء فهم أو انه يخالط من هم ليس على مستوى فكره أو ثقافته أو عاطفته ومرونته، فالمعطف الذي غطى التراب جزء منه كان السبب الأول والوحيد في ذلك هو صاحب المعطف لأنه رمى به في المكان دون أن ينتبه على ما يحويه المكان من أتربة وقد جرى وقتها ما جرى وهذا يبرر خطأ التراب في ترك أثره..
ونحن البشر كذلك إن لم نكن في المكان المناسب مع الأشخاص المناسبين حتما وبلا شك سيتحول أغلبنا إلى مرضى نفسيين بهيئة عاقلين، وإن لم يستطيع البعض الابتعاد عن الأمور التي لا تناسبه يكون من الأفضل العيش بأكثر مقبولية وحذر مع المواقف والأشخاص ليحمي على الأقل نفسه من أن تصل إلى الاحباط النفسي الذي يقود إلى الارهاق الجسدي المستمر طوال الوقت..
اضافةتعليق
التعليقات