قفزت سما فرحاً ما إن وصلت إلى شقتها الجديدة في ألمانيا، تنفست الحُرية التي كانت تحلم بها بعيداً عن العادات والأعراف التي كانت تعتقد بأنها تُقيدها وتُعيق تواصلها مع العالم المُنفتح.
تلك الفتاة المُتمردة على واقعها العربي بدأت تتأقلم مع المجتمع الغربي، فلم يعد للحجاب داعي فلا أحد يعرفها هنا، ترفع صوتها عالياً متى ما شاءت بلا وجود لوالدتها التي توبخها في كل مرة، تعود إلى المنزل متأخراً فلا يُعد هذا الشيء معيباً هنا، وهكذا هي تنسلخ من تربيتها المحافظة التي كانت تضيق الخناق عليها.
وحين اعتقدت بأنها قد تحررت تماماً من كل تلك القيود التي حُفرت في عقلها وبدأت تحيا كما تُريد، صُدمت بأنها مازالت في سجن الأعراف والمعتقدات التي لم تبحث يوماً ما عن معانيها!.
فحين زارتها صديقتها وقدمت لها العصير، وجدت نفسها تُصر على صديقتها شرب كأس العصير كاملاً خوفاً من أن يسبب عدم شربه بعنوستها! أوليس هذا اعتقاد والدتي، لمَ ما زلتُ متمسكة به؟! هكذا دمدمت مع نفسها.
وحين أرادت الخروج من المنزل لمقابلة مدير الشركة التي رغبت بالعمل عنده، عطست..! بدأت تلعن نفسها وتقول: تلك العطسة نذير شؤم سيؤدي بي إلى خسارة فرصتي في العمل.
وحين دعت صديقاتها على الغداء في شقتها، أعدّت لهنّ الطعام ولأنها ورثت المهارة في الطبخ من والدتها لم تقاوم إحدى صديقاتها رائحة الطعام الشهية وإذا بها تأكل من القدر مباشرةً، نهرتها سما بشدة وقالت لها بأن فعلتكِ هذه ستؤدي الى مطر السماء في ليلة زفافك، ضحكت صديقتها فغضبت سما وقالت: لِمَ الضحك، هذا الكلام واقعي وقد حصل مراراً وتكرارا.
بعد أن عدن صديقاتها إلى منازلهن، بدأت عواصف الأفكار تجتاح عقلها وتتمحور في أنها تحررت من التقاليد والأعراف أم مازالت تعاني ويلاتها؟! لقد تحررتُ من الحجاب، من كلام الأهل، من الحياء، من العفة، هذا يعني أنني تخليتُ عن الدين، عن الإنسانية، ولم أتحرر من التقاليد التي كنت أعتقد أنها خاطئة، فأنا ما زلت اعيش في سجن ما ورثت من عادات قد يكون لا صحة لها.
ماذا لو أنني فكرت في عرض كل تلك العادات والتقاليد على العقل والمنطق والدين، واحتفظتُ بما يتماشى معهم وترك ما لا صحة له، حينها لكنتُ قد تمسكتُ بديني وإنسانيتي ولم أنسلخ منهما كما هو حالي الآن، اي تحرر كنت أبحث عنه؟ ليتني لم أتحرر.
اضافةتعليق
التعليقات